قوله جل ذكره : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))
لمّا لم تكن له دواعى الشهوات من نفسه مكّنه الله من ملكه ـ قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها) (١) ـ فقال : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
ثم أخبر عن حقيقة التوحيد ، وبيّن أنه إنما يوفّى عباده من ألطافه بفضله لا بفعلهم ، وبرحمته لا بخدمتهم ؛ فقال : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) ثم يرقى همهم عما أولاهم من النّعم فقال :
(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
ليعلم أنّه لا بدّ من التقوى ومخالفة الهوى.
قوله جل ذكره : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨))
عرف يوسف ـ عليهالسلام ـ إخوته وأنكروه ، لأنهم اعتقدوا أنّه فى رقّ العبودية لمّا باعوه ، بينما يوسف ـ فى ذلك الوقت ـ كان قاعدا بمكان الملك. فمن طلب الملك فى صفة العبيد متى يعرفه؟
وكذلك من يعتقد فى صفات المعبود ما هو من صفات الخلق ... متى يكون عارفا؟ هيهات هيهات لما يحسبون!
ويقال لمّا أخفوه صار خفاؤه حجابا بينهم وبين معرفتهم إياه ، كذلك العاصي ... بخطاياه وزلاته تقع غبرة على وجه معرفته.
قوله جل ذكره : (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي
__________________
(١) آية ٦٣ سورة الشورى.