بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩))
المحبّ غيور ؛ فلمّا كان يعقوب عليهالسلام قد تسلّى عن يوسف برؤية ابنه بنيامين غار يوسف أن ينظر إليه يعقوب (١).
ويقال تلطّف يوسف فى استحضار بنيامين بالترغيب والترهيب ، وأما الترغيب ففى ماله الذي أوصله إليهم وهو يقول : (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) وفى إقباله عليهم وفى إكرامه لهم وهو يقول : (وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ).
وأمّا الترهيب فبمنع المال وهو يقول :
(فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠))
أي فإن لم تؤامنونى عليه فلا كيل لكم عندى ، وأمنع الإكرام والإقبال عنكم.
قوله جل ذكره : (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١))
لما علم يوسف من حالهم أنهم باعوه بثمن بخس علم أنهم يأتونه بأخيهم طمعا فى إيفاء الكيل ، فلن يصعب عليهم الإتيان به.
قوله جل ذكره : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢))
جعل بضاعتهم فى رحالهم ـ فى باب الكرم ـ أتمّ من أن لو وهبها لهم جهرا ؛ لأنه يكون حينئذ فيه تقليد منه بالمواجهة ، وفى تمليكها لهم بإشارة تجرّد من تكلّف تقليد منه بالمحاضرة (٢).
ويقال علم أنهم لا يستحلّون مال الغير فدسّ بضاعتهم فى رحالهم ، لكن إذا رأوها قالوا : هذا وقع فى رحالنا منهم بغلط ، فالواجب علينا ردّها عليهم. وكانوا يرجعون بسبب ذلك شاءوا أم أبوا.
__________________
(١) وكذلك فإن للحق غيرة على عبده المؤمن أن يساكن سواه.
(٢) وكذلك نعمة الحق تأتى فى خفاء ... وقلّ من يفطن إليها.