مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧))
كان بنيامين بريئا مما رمى به من السرقة ، فأنطقهم الله تعالى حتى رموا يوسف عليهالسلام بالسرقة ، واحد بواحد ليعلم العالمون أنّ الجزاء واجب.
ويقال كان القرح بالقدح أوجع ما سمعه يوسف منهم (١) ؛ حيث قالوا :
(إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) فقد كان ذلك أشدّ تأثيرا فى قلبه من الجفاء الأول.
ويقال إذا حنق عليك الملك فلا تأمن غبّه ـ وإن طالت المدة ـ فإن يوسف عليهالسلام حنق عليهم فلقوا فى المستأنف منه ما ساءهم من حبس أخيه ، وما صاحبهم من الخجل من أبيهم.
قوله جل ذكره : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨))
لم تنفعهم كثرة التّنصّل ، وما راموا به من ذكر أبيهم ابتغاء التوسّل ، ولم ينفعهم ما قيل منهم حين عرضوا عليه أن يأخذ أحدهم فى البدل .. كذلك فكلّ مطالب بفعل نفسه : لا تزر وازرة وزر أخرى ؛ فلا الأب يؤخذ بدل الولد ، ولا القريب يرضى به عوضا عن أحد ؛ لذلك قال يوسف عليهالسلام :
(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩))
توهموا أن الحديث معهم من حيث معاملة الأموال ، فعرضوا أنفسهم كى يؤخذ واحد منهم بدل أخيهم ، ولم يعلموا أن يوسف عليهالسلام كادهم فى ذلك ، وأنّ مقصوده من
__________________
(١) القرح ـ الجرح ، والقدح ـ العيب فى عرض غيرك.