من وطّن النّفس على الدنيا وبهجتها غرته بأمانيها ، وخدعته بالأطماع فيها. ثم إنها تخفى الصّاب فى شرابها ، والحنظل فى عسلها ، والسراب فى مآربها ؛ تعد ولا تفى بعداتها ، وتوفى آفاتها على خيراتها .. نعمها مشوبة بنقمها ، وبؤسها مصحوب بمأنوسها ، وبلاؤها فى ضمن عطائها. المغرور من اغترّ بها ، والمغبون من انخدع فيها.
قوله جل ذكره : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)
من اعتضد بعتاده ، واغترّ بأولاده ، ونسى مولاه فى أوان غفلاته .. خسر فى حاله ، وندم على ما فاته فى مآله.
ويقال زينة أهل الغفلة فى الدنيا بالمال والبنين ، وزينة أهل الوصلة بالأعمال واليقين .. فهؤلاء رتّبهم لظواهرهم .. وهؤلاء زينتهم لعبوديته ، وافتخارهم بمعرفة ربوبيته.
ويقال ما كان للنّفس فيه حظّ فهو من زينة الحياة الدنيا ، ويدخل فى ذلك الجاه وقبول المدح ، وكذلك تدخل فيه جميع المألوفات والمعهودات على اختلافها وتفاوتها.
ويقال ما كان للإنسان فيه شرب ونصيب فهو معلول : إن شئت فى عاجله وإن شئت فى آجله.
قوله جل ذكره : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
وهى الأعمال التي بشواهد الإخلاص والصدق.
ويقال (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) : ما كان خالصا لله تعالى غير مشوب بطمع ، ولا مصحوب بغرض.
ويقال (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) : ما يلوح فى السرائر من تحلية العبد بالنعوت ، ويفوح نشره فى سماء الملكوت.
ويقال هى التي سقت من الغيب لهم بالقربة وشريف الزلفة.