لم يغادر الخليل شيئا من الشفقة على أبيه ، ولم ينفعه جميل وعظه ، ولم تنجع فيه كثرة نصحه ؛ فإنّ من أقصته سوابق التقدير لم تخلّصه لواحق التدبير.
قوله جل ذكره : (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)
مناه ابراهيم بجميل العقبي ، فقابله بتوعّد العقوبة فقال :
(لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا).
فأجابه الخليل بمقتضى سكون البصيرة فقال :
(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧))
وهذا قبل أن ييأس من إيمانه ، إذ كانت لديه بعد بقية من الرجاء فى شانه ، فلمّا تحقق أنه مختوم له بالشقاوة قال له :
(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨))
(ما تَدْعُونَ) : أي ما تعبدون ، (وَأَدْعُوا رَبِّي) : أي أعبده.
قوله جل ذكره : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩))
لما أيس من أصله آنسه الله بما أكرمه من نسله ، فأنبتهم نباتا حسنا ، ورزقهم النبوة ، ولسان الصدق بالذكر لهم على الدوام (١) فقال :
__________________
(١) ربما يشير القشيري بذلك إلى : (الصلاة على ابراهيم وعلى آل ابراهيم) فى تشيد كل صلاة ،