قوله جل ذكره : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢))
الطاء إشارة إلى قلبه ـ عليهالسلام ـ من غير الله ، والهاء إشارة إلى اهتداء قلبه إلى الله.
وقيل طأ بسرّك بساط القربة فأنت لا تهتدى إلى غيرنا.
ويقال طوينا عن سرّك ذكر غيرنا ، وهديناك إلينا.
ويقال طوبى لمن اهتدى بك. ويقال طاب عيش من اهتدى بك.
(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) : أي ليس المقصود من إيجابنا إليك تعبدك ، وإنما هذا استفتاح الوصلة ، والتمهيد لبساط القربة.
ويقال إنه لما قال له : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) (١) وقف بفرد قدم تباعدا وتنزها عن أن يقرب من الدنيا استمتاعا بها بوجه فقيل له : طأ الأرض بقدميك. لم كل هذا التعب الذي تتحمله؟ فزاد فى تعبده ، ووقف ، حتى تقدمت قدماه (٢) وقال : «أفلا أكون عبدا شكورا» أي لما أهلني من التوفيق حتى أعبده.
قوله جل ذكره : (إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣))
فالقرآن تبصرة لذوى العقول ، تذكرة لذوى الوصول ، فهؤلاء به يستبصرون فينالون به راحة النّفس فى آجلهم ، وهؤلاء به يذكرون فيجدون روح الأنس فى عاجلهم.
قوله جل ذكره : (تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤))
__________________
(١) آية ٨٨ سورة الحجر.
(٢) نرجح انها (تورمت قدماه) لأن السياق يذكرنا بالحديث :
[انه كان يصلى حتى تورمت قدماه فقيل له : يا رسول اللّه» أليس قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا] الشيخان ، والنسائي. والترمذي عن المغيرة بن شعبة.
(وسيعود القشيري إلى فكرة «طأ بقدميك الأرض» في آخر السورة عند تفسير آية : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ...) آية ١٣١).