أجرى الله عليه ما هو فى صورة كبيرة من قتل النّفس بغير حق ، ثم بيّن الله أنه لا يضره ذلك ، فليست العبرة بفعل العبد فى قلّته وكثرته إنما العبرة بعناية الحقّ ، بشأن أحد أو عداوته.
ويقال قد لا يموت كثير من الخلق بفنون من العذاب ، وكم من أناس لا يموتون وقد ضربوا ألوفا من السياط! وصاحب موسى عليهالسلام ومقتوله مات بوكزة! إيش (١) الذي أوجب وفاته لو لا أنه أراد به فتنة لموسى؟ وفى بعض الكتب أنه ـ سبحانه ـ أقام موسى كذا وكذا مقاما ، وأسمعه كلامه كل مرة بإسماع آخر ، وفى كل مرة كان يقول له : (وَقَتَلْتَ نَفْساً).
(فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ) : أريناك عين الجمع حتى زال عنك ما داخلك من الغمّ بصفة مقتضى التفرقة ، فلمّا أريناك سرّ جريان التقدير نجيّناك من الغم.
قوله جل ذكره : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً).
استخلصناك لنا حتى لا تكون لغيرنا. ويقال جنّسنا عليك البلاء ونوّعناه حتى جرّدناك عن كل اختيار وإرادة ، ثم حينئذ رقّيناك إلى ما استوجبته من العلم الذي أهلناك له.
قوله جل ذكره : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ).
وكنت عند الناس أنك أجير لشعيب ، ولم يظهر لهم ما أودعنا فيك ، وكان يكفى ـ عندهم ـ أن تكون ختنا (٢) لشعيب.
(ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى).
أي عددنا أيام كونك فى مدين شعيب ، وكان أهل حضرتنا من الملائكة الذين عرفوا شرفك ومحبّتك منتظرين لك ؛ فجئت على قدر.
__________________
(١) أي (أي شىء) وهى لفظة ترد فى مصنفات القشيري من حين إلى آخر. وجاء فى الوسيط ج ١ ص ٣٤ أن العرب تكلمت بها.
(٢) أي زوجا لابنته ، وفي الحديث «علىّ ختن رسول الله»