دليل الخطاب انّ من أذن له في الشفاعة تنفعه الشفاعة ، وإذا قبلت شفاعة أحد بإذن الرحمن فمن المحال ألّا تقبل شفاعة الرسول ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ وهو أفضل الكافة ، وشفاعة الأكابر من صفوته مقبولة في الأصاغر في المؤجّل وفي المعجّل. والحقّ سبحانه يشفّع الشيوخ في مريديهم اليوم (١)
ويقال شفاعة الرسول عليه السلام غدا للمطيعين بزيادة الدرجة ، وللعاصين بغفران الزّلّة ، كذلك شفاعة الشيوخ ـ اليوم ـ للمريدين على قسمين : للذين هم أصحاب السلوك فبزيادة التحقيق والتوفيق ، وللذين هم أصحاب التّخبّط والغرّة فبالتجاوز عنهم ، وعلى هذا يحمل قول قائلهم :
إذا مرضتم أتيناكم نعودكم |
|
وتذنبون فنأتيكم ونعتذر! |
وحكايات السّلف من الشيوخ مع مريديهم في أوقات فترتهم معروفة ، وهي مشاكلة لهذه الجملة ، وإن شفاعتهم لا تكون إلا بتعريف من قبل اللّه في الباطن ، ويكون ذلك أدبا لهم في ذلك
قوله جل ذكره : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠))
لا يخفى على الحق شىء مما مضى من أحوالهم ولا من آتيها ، ولا يحيطون به علما. والكناية (٢) فى قوله : (بِهِ) يحتمل أن يعود إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ، ويحتمل أن يعود إلى الحقّ ـ سبحانه ـ ، وهو طريقة السّلف ؛ يقولون. يعلم الخلق ولا يحيط به العلم ؛ كما قالوا : إنه يرى ولا يدرك.
قوله جل ذكره : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١))
__________________
(١) بينما ينكر المعتزلة الشفاعة (أنظر الملل والنحل للشهرستانى) يثبت القشيري الشفاعة لا للرسول فقط بل للأولياء فى الدارين ، وللشيوخ في هذه الحياة الدنيا .. على نحو ما هو واضح من إشارته.
(٢) الكناية فى تعبير القشيري معناها (الضمير) ، وهو هنا الهاء فى (به).