لأن أمرهما كان معجزة ودلالة ، ويصح أن يراد أنّ كلّ واحد منهما آية ـ على طريقة العرب فى أمثال هذا.
وفيه نفى لتهمة من قال إنها حبلت من الله ... تعالى الله عن قولهم! قوله (آية للعالمين) : وإن لم يهتد بهما جميع الناس .. لكنهما كانا آية. ومن نظر فى أمرهما ، ووضع النظر موضعه لاهتدى ، وإذا أعرض ولم ينظر فالآية لا تخرج عن كونها حجّة ودلالة بتقصير المقصّر فى بابها.
قوله جل ذكره : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢))
أي كلكم خلقته ، وكلكم اتفقتم فى الفقر ، وفى الضعف ، وفى الحاجة. (وَأَنَا رَبُّكُمْ) : وخالقكم على وصف التّفرّد.
قوله جل ذكره : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣))
اختلفوا وتنازعوا ، واضطربت أمورهم ، وتفرّقت أحوالهم ، فاستأصلتهم البلايا.
قوله : (كلّ إلينا راجعون) : وكيف لا ... وهم ما يتقلبون إلّا فى قبضة التقدير؟
قوله جل ذكره : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤))
من تعنّى لله لم يخسر على الله ، ومن تحمّل لله مشقة وجب حقّه (على) (١) الله : قوله : وهو مؤمن) بعد قوله : (يعمل من الصالحات) دليل على أن من لا يكون مؤمنا لا يكون عمله صالحا ففائدة قوله هاهنا : (وهو مؤمن) فى المآل والعاقبة ، فقد يعمل الأعمال الصالحة من لا يختم له بالسعادة ، فيكون فى الحال مؤمنا وعمله يكون على الوجه الذي آمن ثم لا ثواب له ، فإذا كانت عاقبته على الإسلام والتوحيد فحينئذ لا يضيع سعيه.
__________________
(١) نرجح أنها فى الأصل (من) لأن القشيري فى مواضع شتى عارض أي وجوب (على) الله .. وطا لما أوضحنا ذلك فى الهوامش.