قوله جل ذكره : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦))
الله هو الحقّ ، والحق المطلق الوجود (١) ، وهو الحق أي ذو الحق.
(وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) أي الأرض التي أصابتها وحشة الشتاء (٢) يحييها وقت الربيع.
ويقال يحيى النفوس بتوفيق العبادات ، ويحيى القلوب بأنوار المشاهدات.
ويقال يحيى أحوال المريدين بحسن إقباله عليهم.
ويقال حياة الأوقات بموافقة الأمر ، ثم بجميل الرضا وسكون الجأش عند جريان التقدير.
قوله جل ذكره : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨))
دليل الخطاب يقتضى جواز المجادلة فى الله إذا كان صاحب المجادلة على علم بالدليل والحجة ليستطيع المناضلة عن دينه ، قال سبحانه لنبيّه : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ومن لم يحسن مذهب الخصم وما يتعلق به من الشبه لم يمكنه الانفصال عن شبهته ، وإذا لم تكن له قوة الانفصال فلا يستحبّ له أن يجادل الأقوياء (٣) منهم ، وهذا يدل على وجوب تعلم علم الأصول (٤) ، وفى هذا رد على من جحد ذلك.
قوله جل ذكره : (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ
__________________
(١) (الحق المطلق الوجود) هذه عبارة لم تصادفنا من قبل فى أي مصنف القشيري ، ونحن نعطيها أهمية خاصة إذا تذكرنا أن هذا اصطلاح لأرباب وحدة الوجود ، فهم يعتبرون الوجود المطلق للحق وما عدا فوجوده نسبى متكثر متعدد ، وهذا لا بأس به ، ولكن النتائج التي رتبوها عليه خطيرة. ونظن أنها (الموجود) بدل (الوجود) بدليل ما سبق ذكره عند تفسير الآية (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) من سورة طه وكنا قد أيدنا ذلك بما ذكره فى كتابه «التحبير في التذكير».
(٢) هكذا فى م ولكنها فى ص (الشقاء) بالقاف ونحن نؤثر الأولى لأن المقصود المقابلة مبين الربيع و (الشتاء)
(٣) هكذا فى م ولكنها في ص (إلا قوما).
(٤) فى هذا وفيما بعده رد على من يتهمون الصوفية بمجافاتهم للعلم ، وعدم احترامهم للعقل ، كما أن فيه ردا على قضية أنارها بعض المتكلمين حول وجوب أو عدم وجوب تعلم المسلم أصول التوحيد كى يصح إيمانه ، ومدى ما يكون عليه إيمان العامة الذين لا تتاح لهم فرصة هذا التعلم.