(فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) : أي سقطت على وجه الأرض فى حال النّحر فأطعموا القانع الذي ألقى جلباب الحياء وأظهر فقره للناس ، والمعترّ الذي هو فى تحمّله متحمّل ، ولمواضع فاقته كاتم.
قوله جل ذكره : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))
لا عبرة بأعيان الأفعال سواء كانت بدنية محضة ، أو مالية صرفة ، أو بما له تعلّق بالوجهين ، ولكن العبرة باقترانها بالإخلاص (١) ، فإذا انضاف إلى أكساب الجوارح إخلاص القصود ، وتجرّدت عن ملاحظة أصحابها للأغيار صلحت للقبول (٢).
ويقال التقوى شهود الحقّ بنعت التفرّد ؛ فلا يشاب تقرّبك بملاحظة أحد ، ولا تأخذ عوضا على عمل من بشر.
(لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) : أي هداكم وأرشدكم إلى القيام بحقّ العبودية على قضية الشرع.
(وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) : والإحسان كما فى الخبر : «أن تعبد الله كأنك تراه ..».
وأمارة صحته سقوط التعب بالقلب عن صاحبه ، فلا يستثقل شيئا ، ولا يتبرم بشىء.
قوله جل ذكره : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨))
__________________
(١) يقال إن سبب نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية كانوا إذا تحروا الإبل نضحوا الدماء ـ حبل البيت ولطخوه بالدم ، فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت الآية.
(٢) يرى القشيري ان هذا جوهر العبادات جميعا ، أن تكون خالصة لله ، وقد فصلنا ذلك عند بحثنا عن القشيري المفسر.
انظر كتابنا (الإمام القشيري ومذهبه فى التصوف) ط مؤسسة الحلبي.