أراده ، ثم يأخذه من حيث لا يرتقب ، فيعلوه ندم ، ولات حينه ، وكيف يستبقى بالحيلة ما حق فى التقدير عدمه؟
قوله جل ذكره : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩))
أشابهكم فى الصورة ولكنى أباينكم من حيث السريرة ، وأنا لمحسنكم بشير ، ولمسيئكم نذير ، وقد أيّدت بإقامة البراهين ما جئتكم به من وجوه الأمر بالطاعة والإحسان.
قوله جل ذكره : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠))
الناس ـ فى المغفرة ـ على أقسام : فمنهم من يستر (١) عليه زلّته ، ومنهم من يستر عليه أعماله الصالحة صيانة له عن الملاحظة ، ومنهم من يستر حاله لئلا تصيبه من الشهرة فتنة (٢) ، وفى معناه قالوا :
لا تنكرن جحدى هواك فإنما |
|
ذاك الجحود عليك ستر مسبل |
ومنهم من يستره بين أوليائه ، لذلك ورد فى الكتب : «أوليائى فى قبائى ، لا يشهد أوليائى غيرى».
«والرزق الكريم» ما يكون من وجه الحلال. ويقال ما يكون من حيث لا يحتسب العبد.
ويقال هو الذي يبدو ـ من غير ارتقاب ـ على رفق فى وقت الحاجة إليه.
ويقال هو ما يحمل المرزوق على صرفه فى وجه القربة. ويقال ما فيه البركة.
ويقال الرزق الكريم الذي ينال من غير تعب (٣) ، ولا يتقلد منّه مخلوق.
__________________
(١) لأن غفر معناها فى اللغة ستر.
(٢) وهذه إحدى الأفكار التي نشط أصحاب الملامة فى العمل بها ، وحثّ أتباعهم عليها.
(٣) (الذي ينال من غير تعب) هنا معناها من غير استعجال ، ومن غير بعد عن التفويض والتوكل ، ومن غير اعتماد على مخلوق. ونحو ذلك مما قد يهدم صرح الاستسلام الكامل للرازق الوهاب سبحانه.