نبه الأفكار المشتّتة ، والخواطر المتفرقة على الاستجماع لسماع ما أراد تضمينه فيها ؛ فاستحضرها فقال : (ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ..)
ثم بيّن المعنى فقال إنّ الذين تدعون من دون الله ، وتدعونها آلهة ؛ أي وتسمونها آلهة (وأنها للعبادة مستحقة) (١) لن يخلقوا بأجمعهم ذبابا ، ولا دون ذلك. وإن يسلبهم الذباب شيئا بأن يقع على طعام لهم فليس فى وسعهم استنقاذهم ذلك منه ، ومن كان بهذه الصفة فساء المثل مثلهم ، وضعف وصفهم ، وقلّ خطرهم.
ويقال إن الذي لا يقاوم ذبابا فيصير به مغلوبا فأهون بقدره!
قوله جل ذكره : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤))
ما عرفوه حقّ معرفته ، ولا وصفوه بجلال ما يستحقه من النعوت. ومن لم يكن فى عقيدته نقص لما يستحيل فى وصفه ـ سبحانه ـ لم تباشر خلاصة التوحيد سرّه ، وهو فى ترجّم فكر ، وتجويز ظن ، وخطر تعسّف ، يقع فى كل وهدة من الضلال.
ويقال العوام اجتهادهم فى رفضهم الأعمال الخبيثة خوفا من الله ، والخواص جهدهم فى نقض عقيدتهم للأوصاف التي تجلّ عنها الصمدية ، وبينهما (...) (٢) بعيد.
(إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) قوى أي قادر على أن يخلق من هو فوقهم فى التحصيل وكمال العقول. (عَزِيزٌ) : أي لا يقدّر أحد قدره ـ إلا بما يليق بصفة البشر ـ بقدر من العرفان.
ويقال من وجد السبيل إليه فليس النعت له إلا بوصف القصور ، ولكن كلّ بوجده مربوط ، وبحدّه فى همته موقوف ، والحق سبحانه عزيز (٣).
__________________
(١) ما بين القوسين موجود فى ص مفقود فى م
(٢) فى ص جاءت (وفاق) وفى م جاءت (فرقان) والأولى مرفوضة ، وفى مثل هذا الموضع يستعمل القشيري (فرق) أو (بون) بعيد.
(٣) كلام القشيري هنا فى (قوى) وفى (عزيز) هام لأنه لم يرد فى مبحثه المستقل عن الأسماء والصفات الإلهية الذي ضمنه كتاب (التحبير فى التذكير) الذي حققناه ونشرته دار الكاتب العربي سنة ١٩٦٩.