ويقال للجنابة سراية ؛ فإذا أمسك الجاني عن الجناية فلا ينفعه ذلك ما لم يمض حكم السراية.
قوله جل ذكره : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧))
ذكر هذا من باب إملاء العذر ، وإلزام الحجة ، والقطع بألا ينفع ـ الآن ـ الجزع ولا يسمع العذر ؛ والملوك إذا أبرموا حكما ، فالاستغاثة غير مؤثّرة فى الحاصل منهم ، قال قائلهم :
إذا انصرفت نفسى عن الشيء لم تكد |
|
إليه بوجه ـ آخر الدهر ـ تقبل |
قوله جل ذكره : (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨))
يعنى أنهم لو أنعموا النظر ، وسلطوا على أحوالهم صائب الفكر لاستبصروا فى الحال ، ولا نتفى عن قلوبهم الاستعجام والإشكال ، ولكنهم استوطنوا مركب الكسل ، وعرّجوا فى أوطان التغافل ، فتعودوا الجهل ، وأيسوا من الاستبصار.
قوله جل ذكره : (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩))
ذهلوا عن التحقيق فتطوّحوا فى أودية المغاليط ، وترجّمت بهم الظنون الخاطئة ، وملكتهم كواذب التقديرات (١) ، فأخبر الله (الرسول) (٢) عن أحوالهم ؛ فمرة قابلوه بالتكذيب ، ومرة رموه بالسّحر ، ومرة عابوه بتعاطيه أفعال العادة بما عليه الناس من المآكل والمشارب ، ومرة قدحوا فيه بما هو فيه من الفقر وقلّة ذات اليد ... فأخبر الله عن تشتّت أحوالهم ، وتقسّم أفكارهم
__________________
(١) هكذا فى م أما في ص فهى (التقدير) ونحن نرجه الأولى حتى يقتصر إطلاق (التقدير) بالمفرد على الفعل الإلهى أما هنا فهى (التقديرات الإنسانية) أي الظنون.
(٢) السياق يتطلب وجود كلمة (الرسول) وهى غير موجودة فى التسخين فوضعناها من عندنا لينسجم الأسلوب.