قوله جل ذكره : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١))
وذلك لتضادّ مناهم وأهوائهم ؛ إذ هم متشاكسون فى السؤال والمراد ، وتحصيل ذلك محال تقديره فى الوجود. فبيّن الله ـ سبحانه ـ أنه لو أجرى حكمه على وفق مرادهم لاختلّ أمر السماوات والأرض ، ولخرج عن حدّ الإحكام والإتقان.
قوله جل ذكره : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢))
أي إنّك لا تطالبهم على تبليغ الرسالة بأجر ، ولا بإعطاء عوض حتى تكون بموضع التهمة فيما تأتيهم به من الشريعة. أم لعلّك تريد أن يعقدوا لك الرياسة. ثم قال : والذي لك من الله سبحانه من جزيل الثواب وحسن المآب يغنيك عن التصدّى لنيل ما يكون فى حصوله منهم مطمع. وهذا كان سنّة الأنبياء والمرسلين ؛ عملوا لله ولم يطلبوا أجرا من غير الله. والعلماء ورثة الأنبياء فسبيلهم التوقّى عن التّدنّس بالأطماع ، والأكل بالدّين فإنه رياء مضرّ بالإيمان ؛ فإذا كان العمل لله فالأجر منتظر من الله ، وهو موعود من قبل الله (١).
قوله جل ذكره : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤))
الصراط المستقيم شهود الربّ بنعت الانفراد فى جميع الأشياء ، وفى الإيجاد ، والاستسلام لقضايا الإلزام بمواطأة القلب من غير استكراه الحكم.
قوله جل ذكره : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ).
__________________
(١) القشيري هنا يغمز بانحراف كثير من الوعاظ المحترفين الذين امتلأ بهم عصره ، ومنذ عهد الحسن البصري ـ الذي طالما نبه إلى خطورة هذا الأمر ـ ونحن نسمع هذه الصيحة ناعية ما آل إليه أمر المحترفين إلى التهافت والتهالك على أطماع الدنيا الزائلة.