زاغوا عن الحجة المثلى بقلوبهم فوقعوا فى جحيم الفرقة ، وستميل وتزل أقدامهم غدا عن الصراط ، فيقعون فى نار الحرقة ؛ فهم ناكبون فى دنياهم وعقباهم.
قوله جل ذكره : (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥))
أخبر عن صادق علمه بهم ، وذلك صادر عن سابق حكمه فيهم ، فقال : لو كشفنا عنهم فى الحال لم يفوا بما يعدون من أنفسهم من الإيمان فى المآل ، ولقد علم أنهم سيكفرون ، وحكم عليهم بأنهم يكفرون ؛ إذ لا يجوز أن يكون حكمه فيهم بخلاف علمه بهم (١)
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦))
أذقناهم مقدمات العذاب دون شدائده .. تنبيها لهم ، فما انتبهوا وما انزجروا ، ولو أنهم إذ رأوا العذاب فزعوا إلى التضرع والابتهال لأسرع الله زواله عنهم ، ولكنهم أصرّوا على باطلهم ، ليقضى الله أمرا كان مفعولا.
قوله جل ذكره : (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٧))
لما أجللنا بهم أشدّ العقوبات ضعفوا عن تحمّلها ، وأخذوا بغتة ، ولم ينفعهم ما قدّموا من الابتهال ، فيئسوا عن الإجابة ، وعرّجوا فى أوطان القنوط.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨))
ذكر عظيم منّته عليهم بأن خلق لهم هذه الأعضاء ، وطالبهم بالشكر عليها.
وشكرهم عليها استعمالها فى طاعته ؛ فشكر السّمع ألا تسمع إلا بالله ولله ، وشكر البصر ألا تنظر إلا بالله لله ، وشكر القلب ألّا تشهد غير الله ، وألّا تحبّ به غير الله.
__________________
(١) هذا التمييز بين الحكم والعلم له أهميته الكبيرة فى قضية القدر.