قوله جل ذكره : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)
والعقوبة على الزنا شديدة أكيدة ، ولكن جعل إثبات أمره وتقرير حكمه والقطع بكونه على أكثر الناس خصلة عسيرة بعيدة ؛ إذ لا تقبل الشهادة عليه حتى يقول : رأيت ذلك منه فى ذلك منها! وذلك أمر ليس بالهّين ، فسبحان من أعظم العقوبة على تلك الفعلة الفحشاء ، ثم جعل الأمر فى إثباتها بغاية الكدّ والعناء! وحين اعترف واحد له بذلك قال له صلىاللهعليهوسلم : لعلّك قبّلت .. لعلّك لا مست ، وقال لبعض أصحابه : «استنكهوه» (١) وكلّ ذلك روما لدرء الحدّ عنه ، إلى أن ألحّ وأصرّ على الاعتراف.
قوله جل ذكره : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)
ما يأمر به الحقّ فالواجب مقابلته بالسمع والطوع.
والرحمة من موجب الشرع وهو المحمود ، فأمّا ما يقتضيه الطّبع والعادة والسوء فمذموم غير محمود. ونهى عن الرحمة على من خرق الشرع ، وترك الأمر ، وأساء الأدب ، وانتصب فى مواطن المخالفة.
ويقال نهانا عن الرحمة بهم ، وهو يرحمهم بحيث لا يمحو عنهم ـ بتلك الفعلة الفحشاء ـ رقم الإيمان ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٢) ولو لا رحمته لما استبقى عليه حلّة إيمانه مع قبيح جرمه وعصيانه.
__________________
(١) وردت الإشارة إلى حادث «ما عز» في هامش سبق ، وقوله «استنكهوه» اى ابحثوا هل فى فمه ريح الخمر ، وبعدها سأله النبي للمرة الأخيرة «أزتيت؟ فقال نعم. فأمر به فرجم» صحيح مسلم ط أولى سنة ١٩٣٠ م المصرية بالأزهر ج ١١ ص ١٩٩.
(٢) عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب أنهما قالا : عن أبى هريرة أن النبي (ص) قال (لا يزنى ... ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) صحيح مسلم ج ٢ ص ٤١.