(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١))
فهم فى حكم الله من جملة الكفار ، والله أعدّ لهم ولأمثالهم من الكفار وعيد الأبد .. فلا محالة يمتحنون به.
قوله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) : دليل على جواز التكليف بما لا يقدر عليه العبد فى الحال ؛ لأنه أخبر أنهم لا يستطيعون سبيلا ، وهم معاتبون مكلّفون.
قوله جل ذكره : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢))
فوحشة النار توجد من مسافة بعيدة قبل شهودها والامتحان بها ، ونسيم الجنة يوجد قبل شهودها والدخول فيها ، والنار تسجّر منذ سنين قبل المحترقين بها ، والجنة تزيّن منذ سنين قبل المستمتعين بها. وكذب من أحال (١) وجودهما قبل كون سكانهما وقطانهما من المنتفعين أو المعاقبين ، لأن الصادق أخبر عن صفاتهما التي لا تكون إلا بموجود حيث قال :
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤))
راحة الجنة مقرونة بسعتها ، ووحشة النار مقرونة بضيقها ، فيضيّق عليهم مكانهم ، ويضيّق عليهم قلوبهم ، ويضيق عليهم أوقاتهم. ولو كانت حياتهم تبطل وكانوا يتخلصون
__________________
(١) لهذا الرأى أهميته حيث يرى كثير من المعتزلة أن الجنة والنار لا يوجدان الآن وإنما يوجدان فى الآخرة عند الجزاء ، وأجمع المعتزلة ـ بخلاف جهم وحده ـ أنهما لا تفنيان ولا يفنى أهلهما ، وهم في هذا يتفقون مع الأشاعرة. أما مخالفة جهم لذلك فقد ذكرها الشهرستاني فى (الملل والنحل ج ١ ص ١١١ ط الخانجى) بدعوى أن تلذذ أهل الجنة بنعيمها وتألم أهل النار بجحيمها حركات تتناهى مع أن نصوص القرآن صريحة فى دوامهما .. والقشيري الأشعري يصرح بذلك فى الآيات التالية.