قوله جل ذكره : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢))
أي إنما أنزلناه متفرقا ليسهل عليك حفظه ؛ فإنه كان أميا لا يقرأ الكتب ، ولأنه لو كان دفعة واحدة لم يتكرر نزول جبريل عليهالسلام بالرسالة إليه فى كل وقت وكل حين .. وكثرة نزوله كانت أوجب لسكون قلبه وكمال روحه ودوام أنسه (١) ، فجبريل كان يأتى فى كل وقت بما كان يقتضيه ذلك الوقت من الكوائن والأمور الحادثة ، وذلك أبلغ فى كونه معجزة ، وأبعد عن التهمة من أن يكون من جهة غيره ، أو أن يكون بالاستعانة بمن سواه حاصلا (٢)
قوله جل ذكره : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣))
كان الجواب لما يوردونه على جهة الاحتجاج لهم مفحما ، ولفساد ما يقولونه موضحا ، ولكن الحقّ ـ سبحانه ـ أجرى السّنة بأنه لم يزد ذلك للمسلمين إلا شفاء وبصيرة ، ولهم إلا عمى وشبهة.
ثم أخبر عن حالهم فى مآلهم فقال :
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))
يحشرون على وجوههم وذلك أمارة لإهانتهم ، وإن فى الخبر : «الذين أمشاهم اليوم
__________________
(١) لأنه كتاب يحمله رسول الحبيب من الحبيب إلى الحبيب.
(٢) أي أن اتصال القرآن الكريم بحياة الناس وواقع أمورهم آية كونه معجزة ؛ بعكس ما يتخرص به المضللون الملحدون الذين يدعون أن محمدا كاتب هذا القرآن ، وأنه أوتى ذكاء خارقا كان يجعله يكتب للناس ما يلي احتياجهم ويحل مشاكلهم .. خرست ألسنتهم إن يقولون إلا زورا.