على أقدامهم يمشيهم غدا على وجوههم» (١) ، وهو على ذلك قادر ، وذلك منه غير مستحيل.
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥))
قلّما يجرى فى القرآن لنبينا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ذكر إلا ويذكر الله عقيبه موسى عليهالسلام. وتكررت قصته فى القرآن فى غير موضع تنبيها على علو شأنه ، لأنه كما أن التخصيص بالذكر يدل على شرف المذكور فالتكرير فى الذكر يوجب التفصيل فى الوصف ؛ لأن القصة الواحدة إذا أعيدت مرات كثيرة كانت فى باب البلاغة أتمّ لا سيما إذا كانت فى كل مرة فائدة زائدة (٢).
ثم بيّن أنه قال لهما :
(فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦))
أي فذهبا فجحد القوم فدمرناهم تدميرا (٣) أي أهلكناهم إهلاكا ، وفى ذلك تسلية للنبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيما كان يقاسيه من قومه من فنون البلاء ، ووعد له بالجميل فى أنه سيهلك أعداءه كلّهم.
قوله جل ذكره : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧))
أحللنا بهم العقوبة كما أحللنا بأمثالهم ، وعاملناهم بمثل معاملتنا لقرنائهم. ثم عقّب هذه الآيات بذكر عاد وثمود وأصحاب الرّسّ ، ومن ذكرهم على الجملة من غير تفصيل ، وما أهلك
__________________
(١) القسم الأول من الخبر على النحو التالي : «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم» قيل يا رسول الله : كيف يمشون على وجوههم فقال عليهالسلام : الذين أمشاهم ...
(٢) يضاف هذا إلى ما سبق أن نبهنا إليه عن موقف القشيري من التكرار.
(٣) يلقت القشيري نظرنا إلى ما يعرف فى البلاغة بإيجاز الحذف ، فقد اكتفى بذكر أول القصة وآخرها وقد أحسن القشيري حين وطأ لذلك بكلام فى القصة الواحدة التي تعاد أكثر من مرة.