قوله جل ذكره : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤))
الرجوع يقتضى ابتداء الأرواح قبل حصولها فى الأشباح ، فإن لها فى مواطن التسبيح والتقديس إقامة ، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند محبّيه وذويه ، كما قيل :
أيا قادما من سفرة الهجر مرحبا |
|
أناديك لا أنساك ما هبّت الصّبا |
ويقال المطيع إذا رجع إلى الله فله الزّلفى ، والثواب والحسنى. والعاصي إذا رجع إلى ربّه فبنعت الإفلاس وخسران الطريق ؛ فيتلقى لباس الغفران ، وحلّة الصفح والأمان ، فرحمة مولاه خير له من نسكه وتقواه.
قوله : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) : موعود المطيع الفراديس العلى ، وموعود العاصي الرحمة والرّضى. والجنّة لطف الحقّ والرّحمة وصف الحق ؛ فاللّطف فعل لم يكن ثم حصل ، والنّعت لم يزل (١).
قوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) : من كان له فى جميع عمره نفس على وصف ما ابتدأ الحقّ سبحانه به ففى الإشارة : تكون لذلك إعادة ، وأنشدوا :
كلّ نهر فيه ماء قد جرى |
|
فإليه الماء يوما سيعود |
قوله جل ذكره : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥))
__________________
(١) يفرق القشيري في كتابه (التحبير فى التذكير) الذي قمنا بتحقيقه بين صفات الفعل وصفات الذات.