أنوار العقول نجوم وهى للشياطين رجوم ، وللعلوم (١) أقمار وهى أنوار واستبصار ، وللمعارف شموس ولها على أسرار العارفين طلوع ، كما قيل :
إنّ شمس النهار تغرب بالليل |
|
وشمس القلوب ليست تغيب |
وكما أن فى السماء كوكبين شمسا وقمرا ؛ الشمس أبدا بضيائها ، والقمر فى الزيادة والنقصان ؛ يستر بمحاقه ثم يكمل حتى يصير بدرا بنعت إشراقه ، ثم يأخذ فى النقص إلى أن لا يبقى شىء منه لتمام امتحاقه ، ثم يعود جديدا ، وكل ليلة يجد مزيدا ، فإذا صار بدرا تماما ، لم يجد أكثر من ليلة لكماله مقاما ، ثم يأخذ فى النقصان إلى أن يخفى شخصه ويتمّ نقصه.
كذلك من النّاس من هو متردّد بين قبضه وبسطه ، وصحوه ومحوه ، وذهابه وإيابه ؛ لا فناء فيستريح ، ولا بقاء له دوام صحيح ، وقيل :
كلّما قلت قد دنا حلّ قيدى |
|
كبلّونى فأوثقوا المسمارا |
قوله جل ذكره : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦))
اختصّ النهار بضيائه ، وانفرد الليل بظلمائه ، من غير استيجاب لذلك ، ومن غير استحقاق عقاب لهذا ، وفى هذا دليل على أنّ الردّ والقبول ، والمنع والوصول ، ليست معلولة بسبب ، ولا حاصلة بأمر مكتسب ؛ كلّا .. إنها إرادة ومشيئة ، وحكم وقضية.
النهار وقت حضور أهل الغفلة فى أوطان كسبهم ، ووقت أرباب القربة والوصلة لانفرادهم بشهود ربّهم ، قال قائلهم :
هو الشمس ، إلا أنّ للشمس غيبة |
|
وهذا الذي نعنيه ليس يغيب |
والليل لأحد شخصين : أمّا للمحبّ قوقت النّجوى ، وأمّا للعاصى فبثّ الشكوى.
__________________
(١) وردت (العموم) وهى خطأ فى النسخ إذ المقصود نوع من المقابلة بين (العلوم) والمعارف.