لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥))
الحقّ اسم من أسمائه سبحانه ، ومعناه أنه موجود ، وأنه ذو الحق ، وأنه محق الحقّ.
والحقّ من أوصاف الخلق ما حسن فعله وصحّ اعتقاده وجاز النطق به.
«والله يهدى للحق» : أي إلى الحق هدايته. وهداه له وهداه إليه بمعني ؛ فمن هداه الحقّ للحقّ وقفه على الحقّ ، وعزيز من هداه الحقّ إلى الحقّ للحقّ ، فماله نصيب وما له حظ.
قوله جل ذكره : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦))
الظّنّ ينافى اليقين ، فإنه ترجيح أحد طرفى الحكم على الآخر من غير قطع.
وأرباب الحقائق على بصيرة وقطع ؛ فالظنّ فى أوصاف الحقّ معلول ، والقطع ـ فى أوصاف النّفس ـ لكل أحد معلول. والعبد يجب أن يكون فى الحال خاليا عن الظن إذ لا يعرف أحد غيب نفسه فى مآله.
وفى صفة الحقّ يجب أن يكون العبد على قطع وبصيرة ؛ فالظنّ فى الله معلول ، والظن فيما من الله غير محمود. ولا يجوز بوجه من الوجوه أن يكون أهل المعرفة به سبحانه ـ فيما يعود إلى صفته ـ على الظن ، كيف وقد قال الله تعالى فيما أمر نبيّه ـ عليهالسلام ـ أن يقول : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١)؟ وكما قلنا (٢) :
طلع الصباح فلات حين سراج |
|
وأتى اليقين فلات حين حجاج |
حصل الذي كنّا نؤمّل نيله |
|
من عقد ألوية وحلّ رتاج |
__________________
(١) آية ١٠٨ سورة يوسف.
(٢) الشعر هنا للقشيرى نفسه كما يستفاد من عبارته.