قوله جل ذكره : (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠))
فأمّا الذين آمنوا فهم الذين كحل الحقّ أبصار قلوبهم بنور اليقين ، والذين لم يؤمنوا فهم الذين وسم قلوبهم بالعمى فزلّوا ـ بالضلالة ـ عن الهدى .. تلك سنّة الله فى الطائفتين ، ولن تجد لسنّة الله تحويلا.
قوله جل ذكره : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١))
برح الخفاء ، واستبانت الحقائق ، وامتاز (١) الطريقان ، فلا المحسن بجرم المسيء معاقب ، ولا المسيء بجرم المحسن معاتب ، كلّ على حدة بما يعمله وعلى ما يفعله محاسب.
قوله جل ذكره : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢))
من استمع بتكلفه ازداد فى تخلّفه بزيادة تصرفه ، ومن استمع الحقّ بتفضّله ـ سبحانه ـ استغنى فى إدراكه عن تعمّله. والحقّ ـ سبحانه ـ يسمع أولياءه ما يناجيهم به فى أسرارهم ، فإذا سمعوا دعاء الواسطة (٢) قابلوه بالقبول لما سبق لهم من استماع الحقّ. ومن عدم استماع الحقّ إياه من حيث التفهيم لم يزده سماع الخلق إلا جحدا على جحد ، ولم يحظ به إلا بعدا على بعد.
قوله جل ذكره : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣))
من سدّت بصيرته بالغفلة والغيبة لم يزده إدراك البصر إلا حجبة على حجية ، ومن
__________________
(١) (امتاز) هنا معناها اتضح الفرق بينهما.
(٢) المقصود بالواسطة النبي عليه الصلاة والسلام.