وإن كان هذا الذي بك رئيا (١) تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب ، ولعل هذا شعر جاش به صدرك ، فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم (٢) ، حتى إذا فرغ ما عنده من سائر الأمور التي يزعم أنها تردّه عمّا يقول فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أوقد (٣) فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم ، قال : فاستمع مني ، قال : أفعل (٤) ، فقال صلىاللهعليهوسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ، ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت له وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى السجدة فسجد ، ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : وما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال : ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط ، ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش ، أطيعوني خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ [عظيم](٥) فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزكم ، فأنتم أسعد الناس به ، فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال [والله ما سحرني](٦) : هذا رأيي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم.
قوله عزوجل : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) ، وذلك أن هودا هددهم بالعذاب ، فقالوا : من أشد منّا قوة ، ونحن نقدر على دفع العذاب عنّا بفضل قوتنا ، وكانوا ذوي أجسام (٧) طوال ، قال الله تعالى ردا عليهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) ، عاصفا (٨) شديدة الصوت ، من الصرة وهي الصيحة. وقيل : هي الباردة من الصر وهو البرد ، (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (نَحِساتٍ) بسكون الحاء ، وقرأ الآخرون بكسرها أي نكدات مشئومات (٩) ذات نحوس. وقال الضحاك : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين دأبت (١٠) الرياح عليهم [عسرات](١١) من غير مطر ، (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) ، أي عذاب الهون والذل ، (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) ، أشد إهانة (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ).
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) ، دعوناهم ، قاله مجاهد ، وقال ابن عباس : بينا لهم سبيل الهدى. وقيل : دللناهم على الخير والشر ، كقوله (هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣] ، (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ، فاختاروا الكفر على الإيمان ، (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ) ، أي مهلكة العذاب ، (الْهُونِ) ، أي ذي الهون (١٢) أي الهوان وهو الذي يهينهم ويجزيهم ، (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ
__________________
(١) في المخطوط (ب) «رءيّ» وفي المخطوط (أ) «رايا».
(٢) في المخطوط (ب) «تقدرون على ذلك ما لم يقدر عليه غيركم» وفي المخطوط (أ) «تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه حتى إذا فرغ».
(٣) في المخطوط (ب) «لقد» وفي المخطوط (أ) «قد».
(٤) في المطبوع «فافعل» والمثبت عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط (ب)
(٧) في المخطوط (ب) «أجساد» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ)
(٨) في المطبوع «عاصفة» والمثبت عن المخطوط.
(٩) في المطبوع والمخطوط (ب) «مشومات» وفي المخطوط (أ) «مستويات» والمثبت عن «ط».
(١٠) في المطبوع «دامت» والمثبت عن المخطوط.
(١١) زيادة عن المخطوط (ب)
(١٢) في المخطوط (ب) «الهوان».