كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم ، فهذه خصومتهم ، (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) ، أي استجاب له الناس فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته ، (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) ، خصومتهم باطلة ، (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) ، في الآخرة.
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) ، قال قتادة ومجاهد ومقاتل : العدل ، وسمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية. قال ابن عباس رضي الله عنهما : أمر الله تعالى بالوفاء ، ونهى عن البخس. (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) ، ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي ، ومجازه : الوقت قريب. وقال الكسائي : إتيانها قريب.
[١٨٦٩] قال مقاتل : ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم الساعة ذات يوم وعنده قوم من المشركين ، فقالوا تكذيبا : متى تكون الساعة فأنزل الله هذه الآية (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) ، ظنا منهم أنها غير آتية ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ) ، أي خائفون ، (مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) ، أنها آتية لا ريب فيها ، (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) ، يخاصمون وقيل تدخلهم المرية والشك ، (فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).
(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣))
قوله عزوجل : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) [أي حفيّ بهم](١) قال ابن عباس رضي الله عنهما : [حفيّ] بهم. قال عكرمة : بارّ بهم. قال السدي : رفيق. قال مقاتل : لطيف بالبرّ والفاجر حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم ، يدل عليه قوله : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) ، فكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممن يشاء الله أن يرزقه. قال جعفر بن محمد الصادق : اللطف في الرزق من وجهين أحدهما أنه جعل رزقك من الطيبات ، والثاني أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة. (وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ).
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) ، الحرث في اللغة : الكسب ، يعني من كان يريد بعمله الآخرة ، (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) ، بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء من الزيادة ، (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) ، يريد بعمله الدنيا ، (نُؤْتِهِ مِنْها) ، قال قتادة : أي نؤته بقدر ما قسم الله له ، كما قال : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) [الإسراء : ١٨]. (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ، لأنه لم يعمل للآخرة.
__________________
[١٨٦٩] ـ واه. ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل تعليقا وسنده إليه في أول الكتاب ؛ وهذا مرسل ، ومع إرساله مقاتل ذو مناكير.
ـ وكذا ذكره الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٨ عن مقاتل بدون إسناد.
(١) زيادة عن المخطوط.