يعتدوا. قال ابن زيد. جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون عن ظالميهم فبدأ بذكرهم ، وهو قوله (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) ، وصنف ينتصرون (١) من ظالميهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية. قال إبراهيم : في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا. قال عطاء : هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم ، ثم ذكر الله الانتصار فقال :
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤))
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) ، سمى الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة. قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحات والدماء. قال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح إذا قال له أحد أخزاك الله تقول : أخزاك الله ، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي. قال سفيان بن عيينة : قلت لسفيان الثوري ما قوله عزوجل : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)؟ قال : إن يشتمك رجل فتشتمه أو أن يفعل بك فتفعل به ، فلم أجد عنده شيئا فسألت هشام بن حجيرة عن هذه الآية ، فقال : الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو أن يشتمك فتشتمه. ثم ذكر العفو فقال : (فَمَنْ عَفا) ، عن ظلمه ، (وَأَصْلَحَ) ، بالعفو بينه وبين ظالمه ، (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، قال الحسن : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلّا من عفا ، ثم قرأ هذه الآية. (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ، قال ابن عباس : الذين يبدءون بالظلم.
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) أي بعد ظلم الظالم إياه ، (فَأُولئِكَ) ، يعني المنتصرين ، (ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) ، بعقوبة ومؤاخذة.
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) ، يبدءون بالظلم ، (وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) ، يعملون فيها بالمعاصي ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) ، فلم ينتصر ، (إِنَّ ذلِكَ) ، الصبر والتجاوز ، (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، حقها وحزمها. قال مقاتل : من الأمور التي أمر الله بها. قال الزجاج : الصابر يؤتى بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزما.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) ، فماله من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه أو يمنعه من عذاب الله ، (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) ، يوم القيامة ، (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) ، يسألون الرجعة في الدنيا.
(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما
__________________
(١) كذا في المطبوع وط والمخطوط (ب) وفي المخطوط (أ) «ينتصفون».