لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩))
(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) ، أي على النار ، (خاشِعِينَ) ، خاضعين متواضعين ، (مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) ، خفي النظر لما عليهم من الذل يسارقون النظر إلى النار خوفا منها وذلة في أنفسهم. وقيل : (مِنَ) بمعنى الباء أي بطرف خفي ضعيف من الذل. وقيل : إنما قال : (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) لأنه لا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها. وقيل : معناه ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا والنظر بالقلب خفي. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، قيل : خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم في الجنة. (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ).
(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٦) ، طريق إلى الصواب وإلى الوصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى قد انسدّ (١) عليهم طريق (٢) الخير.
(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) ، أجيبوا داعي الله يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) ، لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) تلجئون إليه (يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) من منكر يغير ما بكم.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا) ، عن الإجابة ، (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ) ، ما عليك ، (إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) ، قال ابن عباس : يعني الغنى والصحة. (فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) ، قحط ، (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) ، أي لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، له التصرف فيهما بما يريد ، (يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) ، فلا يكون له ولد ذكر ، قيل : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث ، (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ، فلا يكون له أنثى.
(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠) وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣))
(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) ، يجمع له بينهما فيولد له الذكور والإناث ، (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) ، فلا يلد ولا يولد له. قيل : هذا في الأنبياء عليهمالسلام (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) يعني لوطا لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان ، (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) ، يعني إبراهيم عليهالسلام لم يولد له أنثى ،(أَوْ
__________________
(١) في المطبوع «استبدت» والمثبت عن المخطوط وط.
(٢) في المطبوع «طرق» والمثبت عن المخطوط وط.