(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢) ، أقسم بالكتاب الذي أبان طريق (١) الهدى من طريق (٢) الضلالة وأبان ما تحتاج إليه الأمة من الشريعة.
(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٣) ، قوله جعلناه أي صيرنا [قراءة] هذا الكتاب عربيا. وقيل : بيناه. وقيل : سميناه. وقيل : وصفناه ، يقال جعل فلان زيدا أعلم الناس ، أي وصفه بهذا كقوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] وقوله : (جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحجر : ٩١] ، وقال : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) [التوبة : ١٩] ، كلها بمعنى الوصف والتسمية.
(وَإِنَّهُ) ، يعني القرآن ، (فِي أُمِّ الْكِتابِ) ، في اللوح المحفوظ قال قتادة : أم الكتاب أصل الكتاب ، وأم كل شيء أصله.
قال ابن عباس : أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب بما يريد أن يخلق ، فالكتاب عنده ، ثم قرأ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ). (لَدَيْنا) ، فالقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢) [البروج : ٢١ ـ ٢٢]. (لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) ، قال قتادة : يخبر عن منزلته وشرفه ، أي إن (٣) كذبتم بالقرآن يا أهل مكة فإنه عندنا لعلي رفيع شريف محكم من الباطل.
(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) ، يقال : ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه ، وذلك بأن (٤) توليه صفحة وجهك وعنقك والمراد بالذكر القرآن ، ومعناه : أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم ولا ننهاكم من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ استفهام بمعنى الإنكار ، أي لا نفعل ذلك ، وهذا قول قتادة وجماعة ، قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع (٥) حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته ، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله. وقيل : معناه أفنضرب عنكم بذكرنا إيّاكم صافحين معرضين.
قال الكسائي والسدي : أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا تدعون ولا توعظون. وقال الكلبي : أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم. قال مجاهد والسدي : أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم. (أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) ، قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بكسر الهمزة على معنى إذ كنتم كقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩] ، وقرأ الآخرون بالفتح على معنى لأن كنتم [قوما](٦) مسرفين مشركين.
(وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا
__________________
(١) في المطبوع «طرق» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) وط.
(٢) في المطبوع والمخطوط (ب) «طرق» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.
(٣) في المطبوع «أو» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «حين توليه وصفحة ...» والمثبت عن المخطوط (ب)
(٥) في المخطوط (ب) «دفع» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)
(٦) زيادة عن المخطوط (ب) وط.