وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣))
(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠) ، قال عطاء : كان دينهم اليهودية ، لذلك قالوا : إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى.
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) ، يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ، (مِنْ) صلة أي ذنوبكم ، (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن فرجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوافقوه في البطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وفيه دليل على أنه صلىاللهعليهوسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا.
قال مقاتل : لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا.
واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن ، فقال قوم : ليس لهم ثواب إلّا نجاتهم من النار ، وتأوّلوا قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه. وحكى سفيان عن ليث قال : الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم كونوا ترابا ، وهذا مثل البهائم.
وعن أبي الزناد قال : إذا قضي بين الناس قبل لمؤمني الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فعند ذلك يقول الكافر : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] ، وقال الآخرون : يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس ، وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى.
وقال جويبر (١) عن الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون ، وذكر النقاش في تفسيره حديث أنهم يدخلون الجنة. فقيل : هل يصيبون من نعيمها؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره ، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة.
وقال أرطأة بن المنذر : سألت ضمرة بن حبيب هل للجن ثواب؟ قال : نعم ، وقرأ : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) [الرحمن : ٥٦ و ٧٤] ، قال فالإنسيات للإنس والجنيات للجن. وقال عمر بن عبد العزيز : إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها.
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) ، لا يعجز الله فيفوته ، (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) ، أنصار يمنعونه من الله ، (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) ، لم يعجز عن إبداعهن ، (بِقادِرٍ) ، هكذا قراءة العامة ، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه ، فقال أبو عبيدة والأخفش : الباء زائدة للتأكيد ، كقوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، وقال الكسائي والفراء : العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد ، فتقول : ما أظنك بقائم ، وقرأ يعقوب «يقدر» بالياء على الفعل واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء ، (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ
__________________
(١) تصحف في المطبوع إلى «جرير».