فأدغمت التاء في السين ، وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم ، (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) ، أي إلى الكتبة (١) من الملائكة ، والملأ الأعلى هم الملائكة لأنهم في السماء ، ومعناه أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى ، (وَيُقْذَفُونَ) ، يرمون ، (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) ، من كل آفاق السماء بالشهب.
(دُحُوراً) ، يبعدونهم عن مجالس الملائكة ، يقال : دحره دحرا ودحورا إذا طرده وأبعده ، (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) ، دائم ، قال مقاتل : دائم إلى النفخة الأولى لأنهم يحرقون (٢) ويتخبلون.
(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) ، اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة ، (فَأَتْبَعَهُ) ، لحقه [وأدركه](٣)(شِهابٌ ثاقِبٌ) ، كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله ، أو يحرقه أو يخبله ، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعا في السلامة ونيل المراد ، كراكب البحر (٤) ، قال عطاء : سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقبا لأنه يثقبهم.
(فَاسْتَفْتِهِمْ) ، يعني سلهم يعني أهل مكة ، (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) ، يعني من السموات والأرض والجبال ، وهذا استفهام بمعنى التقرير أي هذه الأشياء أشد خلقا كما قال : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] ، وقال : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات : ٢٧] ، وقيل : (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) يعني من الأمم الخالية ، لأن من يذكر فيمن يعقل ، يقول : إن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم ، وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب؟ ثم ذكر خلق الإنسان ، فقال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) ، يعني جيدا حرا لاصق يعلق باليد ، ومعناه : اللازم بدلت (٥) الميم باء كأنه يلزم اليد [إذا وضعت فيه فيصبغها ويتراكم عليها](٦) وقال مجاهد والضحاك : منتن.
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨))
(بَلْ عَجِبْتَ) ، قرأ حمزة والكسائي بضم التاء ، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس ، والعجب من الله عزوجل ليس كالتعجب من الآدميين ، كما قال : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) [التوبة : ٧٩] ، وقال عزوجل : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، والعجب من الآدميين إنكاره وتعظيمه ، والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذم ، وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا.
[١٧٩٥] كما جاء في الحديث : «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة».
__________________
[١٧٩٥] ـ ضعيف. أخرجه أحمد ٤ / ١٥١ وأبو يعلى ١٧٤٩ والطبراني ١٧ / ٣٠٩ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٩٣ من طريق ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر مرفوعا.
وإسناده ضعيف ، لضعف ابن لهيعة. ـ
(١) في المطبوع «الكتيبة» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٢) في المخطوط «يخرجون».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «السفينة» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٥) في المطبوع «إبدال» والمثبت عن المخطوط.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من المخطوط.