(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١))
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) ، بالقرآن ، (لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، مختلط ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : ملتبس. قال قتادة : في هذه الآية من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه. وقال الحسن : ما ترك قوم الحق إلّا مرج أمرهم. وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم ، فقال : هو أنهم يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم ، مرة شاعر ، ومرة ساحر ، ومرة معلم ، ويقولون للقرآن مرة سحر ، ومرة رجز ، ومرة مفترى ، فكان أمرهم مختلطا ملتبسا عليهم ، ثم دلهم على قدرته.
فقال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) ، بغير عمد ، (وَزَيَّنَّاها) ، بالكواكب ، (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) ، شقوق وفتوق وصدوع واحدها فرج.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) ، بسطناها على وجه الماء ، (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) ، جبالا ثوابت ، (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ، حسن كريم يبهج به ، أي يسر بنظره.
(تَبْصِرَةً) ، أي جعلنا ذلك تبصرة ، (وَذِكْرى) ، أي تبصيرا وتذكيرا ، (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ، أي ليتبصر (١) به ويتذكر به.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) ، كثير الخير وفيه حياة كل شيء وهو المطر ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) ، يعني البر والشعير وسائر الحبوب التي تحصد فأضاف الحب إلى الحصيد ، وهما واحد لاختلاف اللفظين ، كما يقال : مسجد الجامع وربيع الأول. وقيل : حب الحصيد أي حب النبت الحصيد.
(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ، قال مجاهد وعكرمة وقتادة : طوالا ، يقال : بسقت النخلة بسوقا إذا طالت. وقال سعيد بن جبير : مستويات. (لَها طَلْعٌ) ثمر وحمل ، سمي بذلك لأنه يطلع ، والطلع أول ما يظهر قبل أن ينشق (٢) ، (نَضِيدٌ) ، متراكب متراكم منضود بعضه على بعض في أكمامه ، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.
(رِزْقاً لِلْعِبادِ) ، أي جعلناها رزقا للعباد ، (وَأَحْيَيْنا بِهِ) ، أي بالمطر ، (بَلْدَةً مَيْتاً) ، أنبتنا فيها الكلأ ، (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) ، من القبور.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨))
__________________
(١) في المطبوع «ليبصروا» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «يتشقق».