الصوت الذي يكون في الصاعقة ، (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ، يرون ذلك عيانا.
(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) ، فما قاموا بعد نزول العذاب بهم ولا قدروا على نهوض. قال قتادة : لم ينهضوا من تلك الصرعة ، (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ، ممتنعين منّا. قال قتادة : ما كانت عندهم قوة يمتنعون بها من الله.
(وَقَوْمَ نُوحٍ) ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : (وَقَوْمَ) ، بجر الميم ، أي وفي قوم نوح ، وقرأ الآخرون بنصبها بالحمل على المعنى ، وهو أن قوله : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) ، معناه : أغرقناهم ، كأنه قال : أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح. (مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل هؤلاء ، وهم عاد وثمود وقوم فرعون. (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) ، بقوة وقدرة ، (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لقادرون. وعنه أيضا : لموسعون الرزق على خلقنا. وقيل : ذو سعة. وقال الضحاك : أغنياء ، دليله قوله عزوجل : (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ) [البقرة : ٢٣٦] ، قال الحسن : المطيقون.
(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) ، بسطناها ومهدناها (١) لكم ، (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) ، الباسطون نحن : قال ابن عباس : نعم ما وطأت لعبادي.
(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ، صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والبر والبحر ، والسهل والجبل ، والشتاء والصيف ، والجن والإنس ، والذكر والأنثى ، والنور والظلمة ، والإيمان والكفر ، والسعادة والشقاوة ، والجنة والنار ، والحق والباطل ، والحلو والمرّ. (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فتعملون أن خالق الأزواج فرد.
(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) ، فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه ، بالإيمان والطاعة. قال ابن عباس : فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله : فروا مما سوى الله إلى الله. (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥١).
(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧))
(كَذلِكَ) ، أي كما كذبك قومك يا محمد وقالوا ساحر أو مجنون كذلك ، (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من قبل كفار مكة ، (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).
قال الله تعالى : (أَتَواصَوْا بِهِ) ، أي أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضا بالتكذيب وتواطئوا عليه؟ والألف فيه للتوبيخ ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) ، قال ابن عباس : حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك ، (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) ، فأعرض عنهم ، (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) ، لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وما قصرت فيما أمرت به.
__________________
(١) في المخطوط «مددناها».