القرآن سمي نجما لأنه نزل نجوما متفرقة في عشرين سنة ، وسمي التفريق : تنجيما ، والمفرق : منجما ، هذا قول ابن عباس في رواية عطاء ، وهو قول الكلبي ، و «الهوى» : النزول من أعلى إلى أسفل. وقال الأخفش : النجم هو النبت الذي لا ساق له ، ومنه قوله عزوجل : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٦) [الرحمن : ٦] ، وهويّه سقوطه على الأرض. وقال جعفر الصادق : يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم أنزل (١) من السماء إلى الأرض ليلة المعراج ، والهوي ، النزول ، يقال : هوى يهوي هويا إذا نزل ، مثل مضى يمضي مضيا.
وجواب القسم. قوله : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) ، يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ما ضل عن طريق الهدى ، (وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٣) ، يعني بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل ، وذلك أنهم قالوا : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم يقول القرآن من تلقاء نفسه.
(إِنْ هُوَ) ، ما نطقه في الدين ، وقيل : القرآن ، (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) ، يعني وحي من الله يوحى إليه.
(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) (٥) ، وهو جبريل ، والقوى جمع القوة.
(ذُو مِرَّةٍ) ، قوة وشدة في خلقه ، يعني جبريل. قال ابن عباس : ذو مرة يعني ذو منظر حسن. وقال قتادة : ذو خلق طويل حسن. (فَاسْتَوى) ، يعني جبريل.
(وَهُوَ) ، يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وأكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا أن يظهروا كناية المعطوف عليه ، فيقولون : استوى هو وفلان ، وقلما يقولون : استوى وفلان ، ونظير هذا قوله : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) [النمل : ٦٧] ، عطف الآباء على المكنى في كنا من غير إظهار نحن ، ومعنى الآية : استوى جبريل ومحمد عليهماالسلام ليلة المعراج ، (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ، وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس ، وقيل : فاستوى يعني جبريل ، وهو كناية عن جبريل أيضا ، أي قام في صورته التي خلقه الله ، وهو بالأفق الأعلى.
وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين ، فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يريه نفسه على صورته التي جبل عليها فأراه نفسه مرتين ، مرة في الأرض ومرة في السماء ، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى ، والمراد بالأعلى جانب المشرق ، وذلك أن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب ، فخر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مغشيا عليه ، فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه ، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ، وهو قوله : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) (٨) ، وأما في السماء فعند سدرة المنتهى (٢) ، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلّا نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله عزوجل : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) ، اختلفوا في معناه.
[٢٠٤٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا
__________________
[٢٠٤٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن يوسف ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
ـ أبو أسامة هو حماد بن أسامة ، ابن الأشوع هو سعيد بن عمرو ، الشعبي هو عامر بن شراحيل ، مسروق هو ابن الأجدع.
ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٢٣٥ بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه مسلم ١٧٧ ح ٢٩٠ والطبري ٣٢٤٥٠ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٢١ وأبو عوانة ١ / ١٥٥ من
(١) في المطبوع «إذ نزل».
(٢) انظر الحديث الآتي والذي بعده.