مستمر ، أي قوي شديد يعلو كل سحر من قولهم مرّ الحبل إذا صلب واشتد ، وأمررته أنا إذا أحكمت فتله واستمر الشيء إذا قوي واستحكم.
(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ، أي كذبوا النبي صلىاللهعليهوسلم وما عاينوا من قدرة الله عزوجل ، واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل ، (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) ، قال الكلبي : لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف.
وقال قتادة : كل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير ، والشر مستقر بأهل الشر. وقيل : كل أمر من خير أو شر مستقر قراره. والخير مستقر بأهله في الجنة ، والشر مستقر بأهله في النار. وقيل : يستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب (١). وقال مقاتل : لكل حديث منتهى. وقيل : كل ما قدر كائن واقع لا محالة. وقرأ أبو جعفر مستقر ، بجرّ (٢) الراء ، ولا وجه له.
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧))
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) ، يعني أهل مكة ، (مِنَ الْأَنْباءِ) ، من أخبار الأمم المكذبة في القرآن ، (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ، متناهى (٣) مصدر بمعنى الازدجار ، أي نهي وعظة ، يقال زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء ، وأصله مزتجر ، قلبت التاء دالا.
(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) ، يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية في الزجر ، (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) ، يجوز أن تكون (ما) نفيا على معنى فليست تغني النذر ، ويجوز أن يكون استفهاما ، والمعنى : فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم ، كقوله : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ١٠١] ، والنذر جمع نذير.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) ، أي أعرض عنهم نسختها آية القتال. قيل : هاهنا وقف تام. وقيل : فتول عنهم. (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) ، أي إلى يوم [يدع](٤) الداعي ، قال مقاتل : هو إسرافيل ينفخ قائما على صخرة بيت المقدس ، (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) ، منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاما ، قرأ ابن كثير : نكر بسكون الكاف ، والآخرون بضمها.
(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) ، قرأ أبو عمرو ويعقوب وحمزة والكسائي : (خاشِعاً) على الواحد ، وقرأ الآخرون : (خُشَّعاً) بضم الخاء وتشديد الشين على الجمع ، ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث ، تقول : مررت برجال حسن أوجههم وحسنة أوجههم وحسان أوجههم ، قال الشاعر :
ورجال حسن أوجههم |
|
من إياد بن نزار بن معد |
وفي قراءة عبد الله : خاشعة أبصارهم ، أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب. (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) ، من القبور ، (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) ، منبث حيارى ، وذكر المنتشر على لفظ الجراد ، نظيرها : (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) [القارعة : ٤] ، وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها كالجراد لا جهة لها تكون
__________________
(١) في المخطوط «العذاب».
(٢) في المخطوط «بكسر» والمعنى واحد.
(٣) في المطبوع «لا منتهى» والمثبت عن ط والمخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.