(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) ، قال ابن عباس وقتادة : يعني المشي معه إلى الجبل.
وقال مجاهد عن ابن عباس : لما شبّ حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم.
والمعنى : بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله. قال الكلبي : يعني العمل لله تعالى وهو قول الحسن ومقاتل بن حيان وابن زيد ، قالوا : هو العبادة لله تعالى ، واختلفوا في سنه ، قيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل : كان ابن سبع سنين. قوله تعالى : (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).
واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق ، فقال قوم : هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة عمرو وعلي وابن مسعود وابن عباس ، ومن التابعين وأتباعهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي ، وهي رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقالوا : وكانت هذه القصة بالشام.
وروي عن سعيد بن جبير قال : أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى ، فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطوبت له الأودية والجبال. وقال آخرون : هو إسماعيل ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي وهي رواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس ، قال المفدي إسماعيل ، وكلا القولين يروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) (١٠١) أمر بذبح من بشّر به ، وليس في القرآن أنه بشّر بولد سوى إسحاق ، كما قال في سورة هود [٧١](فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) ، ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) [الصافات : ١١٢] ، دلّ على أن المذبوح غيره ، وأيضا قال الله تعالى في سورة هود [٧١] : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) ، فلما بشره بإسحاق بشره بابنه يعقوب ، فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه. قال القرظي : سأل عمر بن عبد العزيز رجلا كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه : أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال : إسماعيل ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله تعالى بذبحه ، ويزعمون أنه إسحاق بن إبراهيم.
ومن الدليل عليه : أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل (١) إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج.
قال الشعبي : رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة.
وعن ابن عباس قال : والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة ، وقد وحش يعني يبس.
قال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال : يا أصمعي (٢) أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه.
__________________
(١) تصحف في المخطوط إلى «إسحاق».
(٢) في المطبوع «أصيمع» والمثبت عن المخطوط.