السلام أن يهبط من الجبل ويعارضهم ويكلمهم.
وقال الله : لا تخف فإني سأصرف عنك شرهم وألقي الرعب في قلوبهم ، فنزل إلياس من الجبل فلما لقيهم استوقفهم فلما وقفوا قال لهم : إن الله تعالى أرسلني إليكم وإلى من ورائكم فاسمعوا أيها القوم رسالة ربكم لتبلغوا صاحبكم فارجعوا إليه ، وقولوا له : إن الله تعالى يقول لك ألست تعلم يا آجب أني أنا الله لا إله إلّا أنا إله بني إسرائيل الذي خلقهم ، ورزقهم وأحياهم وأماتهم ، فجهلك وقلة علمك حملك على أن تشرك بي وتطلب الشفاء لابنك من غيري ممن لا يملكون لأنفسهم شيئا إلّا ما شئت ، إني حلفت باسمي لأغيظنك (١) في ابنك ولأميتنه في فوره هذا (٢) حتى تعلم أن أحدا لا يملك له شيئا [من] دوني.
فلما قال لهم هذا رجعوا وقد ملئوا منه رعبا ، فلما صاروا إلى الملك أخبروه بأن إلياس قد انحط عليهم ، وهو رجل نحيف طوال قد نحل وتمعط شعره وتقشر جلده ، عليه جبة من شعر وعباءة قد خللها على صدره بخلال فاستوقفنا فلما صار معنا قذف له في قلوبنا الهيبة والرعب ، فانقطعت ألسنتنا ونحن في هذا العدد الكثير فلم نقدر على أن نكلمه ونراجعه حتى رجعنا إليك ، وقصوا عليه كلام إلياس.
فقال آجب : لا ننتفع بالحياة ما كان إلياس حيا وما يطاق إلّا بالمكر والخديعة (٣) ، فقيض له خمسين رجلا من قومه ذوي القوة والبأس ، وعهد إليهم عهده وأمرهم بالاحتيال له والاغتيال به وأن يطمعوه في أنهم قد آمنوا به هم ، ومن وراءهم ليستنهم إليهم (٤) [أي يسكن](٥) ويغتر بهم فيمكنهم من نفسه فيأتون به ملكهم ، فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس ، ثم تفرقوا فيه ينادونه بأعلى أصواتهم ، ويقولون : يا نبي الله ابرز إلينا وامنن علينا بنفسك. فإنا قد آمنا بك وصدقناك ، وملكنا آجب وجميع قومنا ، وأنت آمن على نفسك وجميع بني إسرائيل ، يقرءون إليك السلام ويقولون : قد بلغتنا رسالتك وعرفنا ما قلت ، فآمنّا بك وأجبناك إلى ما دعوتنا فهلمّ إلينا وأقم بين أظهرنا واحكم فينا فإنا ننقاد لما أمرتنا ، وننتهي عما نهيتنا وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا ، فارجع إلينا [قال](٦) ، وكل هذا منهم مما كرة وخديعة.
فلما سمع إلياس مقالتهم وقعت في قلبه وطمع في إيمانهم ، وخاف [من](٧) الله إن هو لم يظهر لهم ، فألهمه الله التوقف والدعاء ، فقال : اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في البروز إليهم ، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم ، فاحترقوا أجمعين (٨) ، قال وبلغ آجب وقومه الخبر فلم يرتدع من همه بالسوء واحتال ثانيا في أمر إلياس وقيض له فئة أخرى مثل عدد أولئك أقوى منهم وأمكن من الحيلة والرأي ، فأقبلوا حتى توقّلوا أي صعدوا قلل تلك الجبال متفرقين ، وجعلوا ينادون يا نبي الله إنا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته ، إنا لسنا كالذين أتوك قبلنا وإن أولئك فرقة نافقوا فصاروا إليك ليكيدوا بك [من غير رأينا](٩) ، ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مئونتهم ، فالآن قد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم وانتقم [لنا و] لك منهم [قال] ، فلما سمع إلياس
__________________
(١) في المطبوع «لأغضبنك» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «غدا» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٣) في المخطوط «والحيلة» والمعنى واحد.
(٤) في المخطوط (أ) «ليستقيم إليهم» والمخطوط (ب) «ليستيم إليهم».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع «أجمعون» والمثبت عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.