مقالتهم دعا [إلى] الله بدعوته الأولى فأمطر [الله] عليهم النار ، فاحترقوا عن آخرهم ، وفي كل ذلك ابن الملك في البلاء الشديد من وجعه.
فلما سمع الملك بهلاك أصحابه ثانيا ازداد غضبا على غضب وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه ، إلا أنه شغله عن ذلك مرض ابنه فلم يمكنه فوجه نحو إلياس المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل معه ، وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءا وإنما أظهر له [ذلك] لما اطلع (١) عليه من إيمانه ، وكان الملك مع اطلاعه على إيمانه مغضيا عنه (٢) لما هو عليه من الكفاية والأمانة وسداد الرأي.
فلما وجهه (٣) نحوه أرسل معه فئة من أصحابه وأو عز إلى الفئة دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوا به إن أراد التخلف عنهم ، وإن جاء مع الكاتب واثقا به لم يروعوه ، ثم أظهر مع الكاتب الإنابة وقال له : إنه قد آن لي أن أتوب وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني ، وقد عرفت أن ذلك بدعوة إلياس ، ولست آمن أن يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته ، فانطلق إليه وأخبره أنا قد تبنا وأنبنا وأنه لا يصلحنا في توبتنا وما نريد من رضى (٤) ربنا وخلع أصنامنا إلّا أن يكون إلياس بين أظهرنا يأمرنا وينهانا ويخبرنا بما يرضي ربنا.
وأمر قومه فاعتزلوا الأصنام ، وقال له : أخبر إلياس أنا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد ، وأرجينا أمرها حتى ينزل إلياس فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها بيده [قال] ، وكان ذلك مكرا من الملك ، فانطلق الكاتب والفئة حتى [أتى] أعلى (٥) الجبل الذي فيه إلياس ثم ناداه فعرف إلياس صوته.
فتاقت نفسه إليه وكان مشتاقا إلى لقائه فأوحى الله تعالى إليه أن أبرز إلى أخيك الصالح فالقه ، وجدد العهد فبرز إليه وسلم عليه وصافحه ، وقال [له] : ما الخبر؟ فقال [له] المؤمن : إنه قد بعثني إليك هذا الجبار الطاغي وقومه.
قص عليه ما قالوا ثم قال : وإني لخائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني (٦) فمرني بما شئت [فإني] أفعله ، إن شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته ، وإن شئت جاهدته معك وإن شئت ترسلني إليه بما تحب فأبلغه رسالتك ، وإن شئت دعوت ربك فجعل (٧) لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، فأوحى الله تعالى إلى إلياس أن كل شيء جاءك منهم مكر وكذب ليظفروا بك ، وإن آجب إن أخبرته رسله أنك قد لقيت هذا الرجل ولم يأت بك اتهمه وعرف أنه قد داهن في أمرك ، فلم يأمن أن يقتله ، فانطلق معه فإني سأشغل عنكما آجب فأضاعف على ابنه البلاء ، حتى لا يكون له همّ غيره ، ثم أميته على شرّ حال ، فإذا مات هو فارجع عنه.
قال : فانطلق معهم حتى قدموا على آجب ، فلما قدموا شدّد الله تعالى الوجع على ابنه وأخذ الموت بكظمه ، فشغل الله تعالى بذلك آجب وأصحابه عن إلياس ، فرجع إلياس سالما إلى مكانه ، فلما مات ابن آجب وفرغوا من أمره وقلّ جزعه انتبه لإلياس ، وسأل عنه الكاتب الذي جاء به ، فقال له : ليس لي علم
__________________
(١) في المطبوع «طلع» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «مثنيا عليه» والمثبت عن المخطوط (ب) وفي المخطوط (أ) «مع اطلاعه عليه معرضا عنه».
(٣) في المطبوع «وجه» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «رضاء» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «علا» والمثبت عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «فيقتلني» والمثبت عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «يجعل» والمثبت عن المخطوط.