به شغلني عنه موت ابنك والجزع عليه ولم أكن أحسبك إلّا قد استوثقت منه ، فأعرض (١) عنه آجب وتركه لما فيه من الحزن على ابنه ، فلما طال الأمر على إلياس ملّ (٢) السكون في الجبال واشتاق إلى الناس نزل من الجبل فانطلق حتى نزل بامرأة من بني إسرائيل ، وهي أم يونس بن متى ذي النون ، استخفى عندها ستة أشهر ويونس بن متى يومئذ مولود يرضع ، فكانت أم يونس تخدمه (٣) بنفسها وتواسيه بذات يدها ، ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت بعد تعوده فسحة الجبال فأحب اللحوق بالجبال فخرج وعاد إلى مكانه ، فجزعت أم يونس لفراقه فأوحشها فقده.
ثم لم تلبث إلّا يسيرا حتى مات ابنها يونس حين فطمته ، فعظمت مصيبتها فخرجت في طلب إلياس ، فلم تزل ترقى الجبال وتطوف فيها حتى عثرت عليه ، فوجدته وقالت له : إني قد فجعت بعدك لموت ابني فعظمت فيه مصيبتي واشتد لفقده بلائي ، وليس لي ولد غيره فارحمني وادع لي ربك جل جلاله ليحيي لي ابني وإني قد تركته مسجى لم أدفنه ، وقد أخفيت مكانه.
فقال لها إلياس : ليس هذا مما أمرت به ، وإنما أنا عبد مأمور أعمل بما يأمرني ربي ، فجزعت المرأة وتضرعت فأعطف الله تعالى قلب إلياس لها.
فقال لها : متى مات ابنك؟ قالت : منذ سبعة أيام فانطلق إلياس معها وسار سبعة أيام أخرى حتى انتهى إلى منزلها ، فوجد ابنها ميتا له أربعة عشر يوما ، فتوضأ وصلى ودعا ، فأحيا الله تعالى يونس بن متى.
فلما عاش وجلس وثب إلياس وتركه وعاد إلى موضعه ، فلما طال [عليه] عصيان قومه ضاق بذلك إلياس ذرعا فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود : يا إلياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه؟ ألست أميني على وحيي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي؟ فسلني أعطك فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم (٤).
قال : تميتني وتلحقني بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل وملوني ، فأوحى الله تعالى إليه : يا إلياس ما هذا باليوم الذي أعري منك الأرض وأهلها ، وإنما قوامها وصلاحها بك وبأشباهك ، وإن كنتم قليلا ولكن سلني فأعطك ، قال إلياس : إن لم تمتني فأعطني ثأري من بني إسرائيل.
قال الله تعالى : فأي شيء تريد أن أعطيك؟ قال تمكنى من خزائن السماء سبع سنين فلا تنشر (٥) عليهم سحابة إلّا بدعوتي ولا تمطر عليهم قطرة [سبع سنين](٦) إلا بشفاعتي ، فإنهم لا يذلهم (٧) إلا ذلك.
قال الله تعالى : يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك ، وإن كانوا ظالمين ، قال : فست سنين ، قال : أنا أرحم بخلقي من ذلك ، قال : فخمس سنين قال : أنا أرحم بخلقي من ذلك [قال فأربع سنين قال أنا أرحم بخلقي من ذلك](٨) ولكني أعطيك ثأرك ثلاث سنين ، أجعل خزائن المطر بيدك.
قال إلياس فبأي شيء أعيش؟ قال : أسخر لك جيشا من الطير ينقل إليك طعامك وشرابك من الريف و [من] الأرض التي لم تقحط ، فقال إلياس : قد رضيت ، قال : فأمسك الله تعالى عنهم المطر حتى
__________________
(١) في المخطوط «فأضرب» والمعنى واحد.
(٢) في المطبوع «من» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «تخدم» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «الكريم».
(٥) في المخطوط «تنشي».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المخطوط «يذهبهم».
(٨) زيادة عن المخطوط.