قسم الدهر ثلاثة أيام : يوما يقضي فيه بين الناس ، ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ، ويوما لنسائه وأشغاله ، وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فقال : يا رب أرى الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي ، فأوحى الله إليه أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها ، ابتلي إبراهيم بنمرود ويذبح ابنه ، وابتلي إسحاق بالذبح وبذهاب بصره ، وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف ، فقال : رب لو ابتليتني بمثل ما ابتليتهم صبرت أيضا ، فأوحى الله إليه إنك مبتلى في شهر كذا وفي يوم كذا فاحترس ، فلما كان ذلك اليوم الذي وعده الله دخل داود محرابه وأغلق بابه ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور ، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن. وقيل : كان جناحاها لها من الدر والزبرجد فوقعت بين رجلين فأعجبه حسنها ، فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل فينظروا إلى قدرة الله ، فلما قصد أخذها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة فذهب ليأخذها فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها ، فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل. هذا قول الكلبي وقال السدي : رآها تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل النساء خلقا ، فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى (١) بدنها ، فزاده ذلك إعجابا بها فسأل عنها ، فقيل هي (٢) تشايع بنت شايع امرأة أوريا بن حنانا ، وزوجها في غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود. وذكر بعضهم أنه أحب أن يقتل أوريا ويتزوج امرأته ، فكان ذنبه هذا القدر.
وذكر بعضهم أنه كتب داود إلى ابن أخته أيوب أن أبعث أوريا إلى موضع كذا ، وقدّمه قبل التابوت وكان من قدّم على التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله على يديه أو يستشهد ، فبعثه وقدمه ففتح له ، فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا ، فبعثه ففتح له فكتب إلى داود بذلك فكتب إليه أيضا أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا أشد منه بأسا ، فبعثه فقتل في المرة الثالثة ، فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود ، فهي أم سليمان عليهماالسلام (٣).
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : كان ذلك ذنب داود أنه التمس من الرجل أن ينزل له عن امرأته.
قال أهل التفسير : كان ذلك مباحا لهم غير أن الله تعالى لم يرض له ذلك لأنه كان ذا رغبة في الدنيا ، وازديادا للنساء ، وقد أغناه الله عنها بما أعطاه من غيرها (٤).
وروي عن الحسن في سبب امتحان داود عليهالسلام : أنه كان قد جزأ الدهر أجزاء يوما لنسائه ويوما للعبادة ويوما للقضاء بين بني إسرائيل ويوما لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه ، فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروه فقالوا : هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا ، فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك. وقيل : إنهم ذكروا فتنة النساء فأضمر داود في نفسه أنه إذا ابتلي اعتصم ، فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه أحد ، وأكبّ على التوراة فبينما هو يقرأ إذ دخلت عليه
__________________
(١) في المطبوع «فغطت» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «هو» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٣) هذه الآثار من الإسرائيليات.
(٤) لا يصح عن ابن مسعود ، وقد ذكره المصنف بصيغة التمريض ، وهو متلقى عن أهل الكتاب.