وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١))
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) ، وجب العذاب ، (عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، هذا كقوله : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزمر : ٧١].
(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) ، نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين.
[١٧٧٧] وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخنّ رأسه بالحجر وهو يصلي ، فأتاه يوما وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به ، فلما رفعه أثبتت (١) يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده ، فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر ، فقال رجل من بني مخزوم : أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر ، فأعمى الله تعالى بصره ، فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له : ما صنعت؟ فقال : ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه شيء (٢) كهيئة الفحل يخطر بذنبه ، لو دنوت منه لأكلني ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً).
قال أهل المعاني : هذا على طريق المثل ، ولم يكن هناك غل [بل](٣) أراد : ومنعناهم عن الإيمان بموانع ، فجعل الأغلال مثلا لذلك ، قال الفرّاء : معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) [الإسراء : ٢٩] معناه لا تمسكها عن النفقة. (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) ، هي كناية عن الأيدي وإن لم يجر لها ذكر لأن الغل يجمع اليد إلى العنق ، معناه : إنا جعلنا في أيديهم وأعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان ، (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) [و] المقمح الذي رفع رأسه وغض بصره ، يقال : بعير قامح إذا روى من الماء فأقمح إذا رفع رأسه وغض بصره. وقال الأزهري : أراد أن أيديهم لما غلت إلى (٤) أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورءوسهم ، فهم مرفوعو الرءوس برفع الأغلال إياها.
(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص (سدا) بفتح السين ،
__________________
[١٧٧٧] ـ لم أقف عليه بهذا اللفظ.
وأخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» ١٥٦ من طريق ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس مطوّلا بنحوه ، وليس فيه ذكر رجل من بني مخزوم ، ولا ذكر نزول الآية. وإسناده ضعيف ، فيه من لم يسمّ.
ـ وأخرج أبو نعيم ١٥٢ من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه : أن رجلا من بني مخزوم قام إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي يده فهر ، ليرمي به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...».
ـ هذا مرسل.
وليس فيه أن الآية نزلت بسبب ذلك.
ـ وأخرج الطبري ٢٩٠٦٤ عن عكرمة مرسلا «قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا لأفعلن ، ولأفعلن ، فأنزلت (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً ...).
ـ وانظر «صحيح البخاري» ٤٩٥٨ من حديث ابن عباس وسيأتي في سورة العلق عند آية : ١٠.
(١) في المطبوع «انثنت» والمثبت عن المخطوط و «ط».
(٢) العبارة في المخطوط «وحال بيني وبينه كهيئة الفحل».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «عند».