عن أنس بن مالك رضي الله عنه سمعه يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن داود النبي حين نظر إلى المرأة فاهتم فقطع (١) على بني إسرائيل فأوصى صاحب البعث ، فقال : إذا حضر العدو فقرّب فلانا بين يدي التابوت ، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به وبمن قدم بين يدي التابوت ، لم (٢) يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش فقتل زوج المرأة ، ونزل الملكان يقصان عليه قصته ففطن داود فسجد ومكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه وأكلت الأرض من جبينه. وهو يقول في سجوده : ربّ زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب ، ربّ إن لم ترحم ضعف داود ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثا في الخلق من بعده ، فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة فقال : يا داود إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به ، فقال داود : إن الرب قادر على أن يغفر لي الهمّ الذي هممت به ، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة ، فقال : يا رب دمي الذي عند داود ، فقال جبريل : ما سألت ربك عن ذلك وإن شئت لأفعلن ، قال : نعم فعرج جبريل وسجد داود ، فمكث ما شاء الله ثم نزل جبريل ، فقال : سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه ، فقال : قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة ، فيقول له هب لي دمك الذي عند داود فيقول : هو لك يا رب ، فيقول : فإن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضا عنه».
وروي عن ابن عباس وعن كعب الأحبار ووهب بن منبه قالوا جميعا : إن داود لما دخل عليه الملكان فقضى على نفسه فتحولا في صورتيهما فعرجا وهما يقولان قضى الرجل على نفسه ، وعلم داود أنه إنما عنيا به فخر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلّا لحاجة ولوقت صلاة مكتوبة ، ثم يعود ساجدا تمام أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب ، وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه وهو ينادي ربه عزوجل ، ويسأله التوبة ، وكان من دعائه في سجوده : سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء ، سبحان خالق النور ، سبحان الحائل بين القلوب ، سبحان خالق النور ، إلهي أنت خليت بيني وبين عدوي إبليس فلم أقم لفتنته إذ نزلت بي ، سبحان خالق النور ، إلهي أنت خلقتني وكان من سابق علمك ما أنا إليه صائر ، سبحان خالق النور ، إلهي الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء ، فيقال هذا داود الخاطئ ، سبحان خالق النور إلهي بأي عين انظر إليك يوم القيامة ، وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي ، سبحان خالق النور إلهي بأي قدم أقوم (٣) أمامك وأقوم بين يديك [يوم القيامة] يوم تزل (٤) أقدام الخاطئين ، سبحان خالق النور إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلّا من عند سيده ، سبحان خالق النور إلهي أنا الذي لا أطيق حرّ شمسك فكيف أطيق حرّ نارك ، سبحان خالق النور إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق سوط جهنم ، سبحان خالق النور إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصاب ، سبحان خالق النور إلهي أنت (٥) تعلم سري وعلانيتي فاقبل عذري ، سبحان خالق النور إلهي برحمتك اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك لهواي ، سبحان خالق النور إلهي أعوذ بنور وجهك الكريم من ذنوبي التي أوبقتني ، سبحان خالق النور إلهي قد فررت (٦) إليك بذنوبي واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين ، ولا تخزني
__________________
(١) في المطبوع «فهمّ أن يجمع» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٢) في المطبوع «فلم» والمثبت عن المخطوط و «تفسير الطبري».
(٣) في المطبوع «أمشي» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المخطوط (ب) «تزول».
(٥) في المطبوع «قد» والمثبت عن المخطوط.
(٦) هذه الروايات مصدرها كتب الأقدمين.