الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) ، قال قتادة : [يعني](١) يغشي هذا هذا ، كما قال : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [الأعراف : ٥٤ ، الرعد : ٣] ، وقيل : يدخل أحدهما على الآخر كما قال : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) [فاطر : ١٣] ، وقال الحسن والكلبي : ينقص من الليل فيزيد في النهار ، وينقص من النهار فيزيد في الليل ، فما نقص من الليل دخل في النهار وما نقص من النهار دخل في الليل ، ومنتهى النقصان تسع ساعات ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة ، وأصل التكوير اللّف والجمع ، ومنه كوّر العمامة. (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).
(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، يعني آدم ، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ، يعني حواء ، (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) ، معنى الإنزال هاهنا : الإحداث والإنشاء ، كقوله تعالى : (أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) [الأعراف : ٢٦] ، وقيل : إنه أنزل الماء الذي هو سبب نبات القطن الذي يكون منه اللباس ، وسبب النبات الذي تبقى به الأنعام. وقيل : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) جعلها لكم نزلا ورزقا. (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ، أصناف ، مرّ تفسيرها في سورة الأنعام. (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ، كما قال الله تعالى : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) (١٤) [نوح : ١٤] ، (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ، قال ابن عباس : ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة ، (ذلِكُمُ اللهُ) ، أي الذي خلق هذه الأشياء ، (رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ، عن طريق الحق بعد هذا البيان.
(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) ، قال ابن عباس والسدي : لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، وهم الذين قال الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢ ، الإسراء : ٦٥] ، فيكون عاما في اللفظ خاصا في المعنى ، كقوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] ، يريد بعض العباد ، وأجراه قوم على العموم ، وقالوا : لا يرضى لأحد من عباده الكفر ، ومعنى الآية : لا يرضى لعباده الكفر أن يكفروا به ، ويروى ذلك عن قتادة ، وهو قول السلف ، قالوا : كفر الكافر غير مرضي لله عزوجل ، وإن كان بإرادته ، (وَإِنْ تَشْكُرُوا) ، تؤمنوا بربّكم وتطيعوه ، (يَرْضَهُ لَكُمْ) ، فيثيبكم (٢) عليه ، قرأ أبو عمرو (يَرْضَهُ لَكُمْ) ساكنة الهاء ، ويختلسها أهل المدينة وعاصم وحمزة ، والباقون بالإشباع ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ يا عِبادِ
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فيثنيكم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.