الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠))
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) راجعا إليه مستغيثا به ، (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) ، أعطاه نعمة منه ، (نَسِيَ) ، ترك ، (ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) ، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه ، (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) ، يعني الأوثان ، (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) ، ليرد (١) عن دين الله ، (قُلْ) ، لهذا الكافر ، (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) ، في الدنيا إلى أجلك ، (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) ، قيل : نزلت في عتبة بن ربيعة ، وقال مقاتل : نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ، وقيل : عام في كل كافر.
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) ، قرأ ابن كثير ونافع وحمزة (أَمَّنْ) بتخفيف الميم ، وقرأ الآخرون بتشديدها ، فمن شدد فله وجهان ، أحدهما : أن تكون الميم في «أم» صلة ، فيكون معنى الكلام استفهاما وجوابه محذوفا ، مجازه : أمن هو قانت كمن هو غير قانت؟ كقوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الزمر : ٢٢] ، يعني كمن لم يشرح صدره. والوجه الآخر : أنه عطف على الاستفهام ، مجازه : الذي جعل لله أندادا خير أم [من] هو قانت؟ ومن قرأ بالتخفيف فهو ألف استفهام دخلت على [من](٢) معناه : أهذا كالذي جعل لله أندادا. وقيل : الألف في أمن بمعنى حرف النداء ، تقديره : يا من هو قانت ، والعرب تنادي بالألف كما تنادي بالياء ، فتقول : أبني فلان ويا بني فلان ، فيكون معنى الآية : قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ، ويا من هو قانت (آناءَ اللَّيْلِ) إنك من أهل (٣) الجنة.
قاله ابن عباس ، وفي رواية عطاء : نزلت في أبي بكر الصديق.
وقال الضحاك : نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وعن ابن عمر أنها نزلت في عثمان.
وعن الكلبي أنها نزلت في ابن مسعود وعمّار وسلمان ، والقانت : المقيم على الطاعة. قال ابن عمر : «القنوت» قراءة القرآن وطول القيام ، «وآناء الليل» : ساعاته ، (ساجِداً وَقائِماً) ، يعني في الصلاة ، (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) ، يخاف الآخرة ، (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ، يعني كمن لا يفعل شيئا من ذلك ، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، قيل «الذين يعلمون» عمّار ، «والذين لا يعلمون» أبو حذيفة المخزومي ، (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) ، بطاعته ، واجتناب معاصيه ، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا) ، أي آمنوا وأحسنوا العمل ، (حَسَنَةٌ) يعني الجنة ، قاله مقاتل. وقال السدي : في هذه الدنيا حسنة يعني الصحة والعافية ، (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) ، قال ابن عباس : يعني ارتحلوا من مكة. وفيه حث على الهجرة من البلد الذي تظهر فيه المعاصي. وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة. وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي ببلد فليهرب منها إلى غيرها (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى. وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء ، وصبروا وهاجروا.
__________________
(١) في المطبوع «ليزل» والمثبت عن المخطوط.
(٢) سقط من الأصل.
(٣) في المخطوط (ب) «أصحاب» والمثبت عن المخطوط (أ) و «ط».