هذا رسول الله سيد الأوّلين والآخرين يقول : يا بنى عبد المطلب ، لا أملك لكم من الله شيئا. يا فاطمة بنت محمد ، لا أملك لك من الله شيئا. فكيف يتّكل المغرور على أحد فى مخالفته أمر الله.
(غائط (١)) : مكان منخفض ، ثم استعمل فى حاجة الإنسان ؛ لأن العرب كانوا يطلبون ذلك فى قضاء [٢١٦ ا] حوائجهم ، فكنى عن الحدث بالغائط.
(غَمَراتِ الْمَوْتِ (٢)) : شدائده وكرباته كما يغمر الشيء إذا علاه وغطّاه ؛ فتذكر أيها الأخ كرباته وسكراته ، فإن كنت منهمكا نقرّك ، وإن كنت تائبا رقاك بمحبة تأخيره لتغنم أو تعجيله لتسلم. وإن كنت محبّا شوّقك ؛ لأن المحب يحبّ لقاء حبيبه ؛ ولكن التفويض أعلى. ولو انتظرنا ضربة شرطى لتكدّر عيشنا ، فكيف وفى كلّ نفس يمكن مجىء الموت بسكراته وغصصه ؛ ونودّ أن لو قدرنا على صياح وأنين ، ويودّ من حضره فترة ساعة ؛ ليقول : لا إله إلا الله ، فلا يمهل ، وتجذب روحه من كل عضو وعرق ، فتبرد قدماه ، ثم ساقاه ، ثم فخذاه ، وهكذا حتى تبلغ الحلقوم ؛ فعنده ينقطع نظره إلى دنياه ، ويغلق عنه باب توبته ؛ كما روى أن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ، ثم يرى ملائكة ربّه تعالى وثناء هم عليه ، وقولهم (٣) : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ ...) الآية ؛ فيا لها من مصيبة لو عقل ؛ ولهذا كانوا رضى الله عنهم يديمون ذكر الموت ، ويخافون من سوء العقيدة. وفى الصحيحين : إن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته ، فليس شىء أحبّ إليه مما أمامه ؛ ومن ختم له
__________________
(١) النساء : ٤٣
(٢) الأنعام : ٩٣
(٣) الأنعام : ٩٣