(تَجَلَّى) ، أى ظهر وبان ، أما تجلّى الرب للجبل فإنما كان ذلك لأجل موسى ؛ لأنه سأل رؤيته ، فقال له : لا تطيق ذلك ، ولكن سأتجلّى للجبل الذى هو أقوى منك وأشد ، فإن استقر وأطاق الصّبر لرؤيتى ولهيبتى أمكن أن ترى أنت ، وإن لم يطق فأحرى ألّا ترى أنت ، فعلى هذا إنما جعل الله الجبل مثالا لموسى. وقال قوم : المعنى سأتجلى لك على الجبل ؛ وهو ضعيف ، يبطله قوله (١) : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ).
وروى أن طائرين ذكرا وأنثى كانا فى الجبل ، فلما سمعا طلب موسى الرؤية قال لها الذّكر : نفرّ من هذا الجبل ، لأنّا لا نقدر على رؤية الحق. فقالت له : تستقر فيه لنفوز بحظ الرؤية فيكون لنا فخر على سائر الطيور. فقال لها الذكر : إذا فيكون ذلك لك. فلما تجلى الحقّ للجبل تفتّت حتى صار غبارا انخسف فى الأرض ، وأفضى إلى البحر ؛ ولهذا كان رأى الأنثى فاسدا ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : شاوروهنّ وخالفوهن.
(تَأَذَّنَ (٢) رَبُّكَ) : أعلم. وتفعّل يأتى بمعنى أفعل ؛ كقولهم أو عدنى وتوعّدنى.
(تَغَشَّاها) : علاها بالنكاح. فسبحان من خاطب العرب بلغاتهم ؛ إذ كانوا يتصرّفون بالتسمية لمسمى واحد ، كالجماع ؛ فتارة كنى عنه سبحانه بالسر والقرب والنكاح.
وكانوا يوسعون فى التسمية لاختلاف أحواله بأسماء ، كتسمية طفل بنى آدم ولدا ، ومن الخيل فلوّا (٣) ومهرا ، ومن الإبل ولد الناقة وفصلا ، ومن البقر عجلا
__________________
(١) الأعراف : ١٤٢
(٢) الأعراف : ١٦٦
(٣) كعدو.