ولا يعرف حقيقة سير الشمس والقمر بحسبان ، وخسوفهما وولوج الليل في النهار ، وكيفية تكوّر أحدهما على الآخر ، إلا من عرف هيئات تركيب السّماوات والأرض ، وهو علم برأسه.
ولا يعرف كمال معنى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)(١) إلا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرا وباطنا ، وعددها وأنواعها وحكمتها ومنافعها ، وقد أشار في القرآن في مواضع إليها ، وهي من علوم الأوّلين والآخرين ، وفي القرآن مجامع علم الأوّلين والآخرين.
وكذلك لا يعرف كمال معنى قوله تعالى (سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٢) من لم يعلم التّسوية والنّفخ والرّوح ، ووراءها علوم غامضة يغفل عن طلبها أكثر الخلق ، وربما لا يفهمونها إن سمعوها من العالم بها ، ولو ذهبت أفصّل ما تدل عليه آيات القرآن من تفاصيل الأفعال لطال ، ولا تمكن الإشارة إلا إلى مجامعها ، وقد أشرنا إليه حيث ذكرنا أن من جملة معرفة الله تعالى معرفة أفعاله ، فتلك الجملة تشتمل على هذه التفاصيل ، وكذلك كل قسم أجملناه لو شعّب لانشعب إلى تفاصيل كثيرة ، فتفكّر في القرآن والتمس غرائبه ، لتصادف فيه مجامع علم الأوّلين والآخرين ، وجملة أوائله ، وإنما التفكر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله وهو البحر الذي لا شاطئ له.
__________________
(١) الآية ٦ / من سورة الانفطار.
(٢) الآية ٢٩ / من سورة الحجر.