ومن المعلوم أن رسول الله كان يطالعهم صباح مساء أنه مكتوب عندهم والوحى يبين صفاته ونعوته عندهم بكشف زيوفهم ولو لم يعلم محمد أنه مكتوب عندهم بل علم انتفاء ذلك لامتنع أن يخبر بذلك مرة بعد مرة ويستشهد به ويظهر ذلك لموافقيه ومخالفيه وأوليائه وأعدائه فإن هذا لا يفعله إلا من هو أقل الناس عقلا لأن فيه إظهار كذبه عند من آمن به منهم وعند من يخبرونه» (١).
لا يستطيع الكاذب أن يخاطب اليهود والنصارى ـ والتوراة والإنجيل بين أيديهم ـ بقوله على لسان القرآن (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ثم يوبخهم ويقرعهم بأنهم يجدونه فيها وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وليس من المتصور أن يجترئ على ذلك وهو يعلم كذب نفسه ، والكاذب ضعيف حتى عند نفسه.
كما أن اليهود ـ ومن خلفهم من المستشرقين ـ لا يعارضون في أن «حقيقة المعجزة لا تختلف وهى فعل خارق يقترن به التحدى ، وهذا قد وجد ـ كما أوضحنا فيما سبق ـ فى حق محمد بن عبد الله «صلىاللهعليهوسلم» كما وجد في حق موسى ـ عليهالسلام ـ فإن كانت المعجزة لا تفيد النبوة يلزمهم أن لا يعتقدوا بنبوة موسى وإن أفادت يلزمهم اعتقاد نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم» فقد جاء بالمعجزات ، جاء بالقرآن في زمن الفصحاء والبلغاء وسأل جميعهم أن يأتوا بمثله فأعجزهم ، فسألهم سورة منه ... فعجزوا فنادى بينهم على رءوس الأشهاد (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨]
وأخيرا ـ وكما سبق أن بيّنا ـ فإن تبشير الأنبياء به في الكتب المنزلة عليهم يقوم مقام المعجزات.
__________________
١ ـ ابن تيمية : الجواب الصحيح ج ٣ ص ٢٩٢.