أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق ـ الوحى وسمى حقا لأنه من الله الحق ـ وهو في غار حراء.
فجاء الملك ، فقال : اقرأ ، فقال : ما أنا بقارئ. قال : «فأخذنى فغطنى (١) حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى ، فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)) [العلق : ١ ـ ٥]. فرجع بها رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد فقال : «زملونى ، زملونى (٢)» فزملوه حتى ذهب عنه الرّوع (٣) فقال لخديجة وأخبرها الخبر : «لقد خشيت على نفسى» فقالت : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل وتكسب المعدوم (٤) ، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق».
ما إن جاء «صلىاللهعليهوسلم» خديجة وقص عليها حتى انطلقت إلى ورقة بن نوفل ابن عمها ، وكان قد تنصر وقرأ الكتب ـ كما أسلفنا ـ فقالت خديجة : يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة. يا ابن أخى ما ذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى. فقال له ورقة : هذا الناموس الأكبر الذى أنزل على موسى ، يا ليتنى فيها جذع ، ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» : «أو مخرجى هم؟». قال ورقة : نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودى ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا ، ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى» (٥) ، وذكر صاحب «الطبقات الكبرى» رواية أخرى ، على النحو التالى : «ثم أتت ـ أى خديجة ـ ورقة بن نوفل فذكرت له ذلك. فقال : إن يك صادقا فهذا ناموس مثل ناموس موسى ، فإن يبعث وأنا حى فسأعزره وأنصره وأؤمن به» (٦).
لما ذا ذهبت خديجة إلى ورقة؟ الإجابة التى اجتمعت عليها المصادر التاريخية
__________________
١ ـ غطنى : ضمنى إليه وعصرنى.
٢ ـ زملونى : أى أدخلونى في ثياب وغطونى بها. ٤ ـ تعطى مالا يعطيه غيرك من المال وغيره.
٣ ـ وهو الفزع والخوف
٤ ـ أخرجه البخارى في صحيحه. وانظر : تاريخ الطبرى ج (٢) ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط (٤) دار المعارف بمصر.
٥ ـ محمد في مكة ص ٩٣.
٦ ـ ابن سعد : الطبقات الكبرى ج (١) ص ١٩٥ طبعة بيروت.