المعتبرة لدى المسلمين وكتب السيرة أنها ذهبت لتخبر ورقة بأمر الملك الذى جاء رسولنا «صلىاللهعليهوسلم» ومنه يتضح :
١ ـ أن لقاء الرسول والسيدة خديجة مع ورقة كان بعد الوحى لا قبله.
٢ ـ أنه لم يسبق للرسول أن التقى مع ورقة من قبل.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن رواية ابن سعد ذكرت أن لقاء خديجة بورقة كان دون محمد «صلىاللهعليهوسلم» ، وعليه يكون محمد لم يلتق بورقة إطلاقا.
غير أن المستشرق «واط» مصرّ على أن محمدا التقى مرات ومرات بورقة بل وبغيره من علماء مكة (!). فيقول : «ويبدو ورقة من بين الذين اتصل بهم محمد لسبب معرفته بكتب المسيحية المقدسة» (١).
افتراضات وظنون قائمة على التعصب البغيض أدت بالمستشرق ـ المنهجى المحايد (!) ـ إلى دائرة التصور الجاهلي للنبوة والوحى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣].
أما حديث إمام المحدثين ، البخارى ـ والذى مر بنا ـ عن بدء الوحى إلى نبينا «صلىاللهعليهوسلم». والذى ينتهى ب «ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى» ، فيعقب المستشرق بقوله : «وأما بقية القصة ، من ناحية ثانية ، فهى تشعرنا بمحاولة لتفسير السبب الذى من أجله لم يصبح ورقة مسلما ، ولسبب آخر مشابه ، فإن النص الذى يجمع بين محمد وورقة أفضل من الذى يجعلهما لا يلتقيان» (٢).
هذا التشكيك ليس من كلام «واط» وإنما هو ل «كايتانى» استشهد به «واط» لتأييد شكه في واقعة غار حراء التى ينبنى عليها الوحى إلى نبينا «صلىاللهعليهوسلم».
والنص يتهم المحدثين والرواة بالوضع ، فمن ناحية يرون أن من مصلحة محمد أن يلتقى بورقة لما فيه من تأكيد واقعة غار حراء ، ولكنهم وقعوا في مأزق هو : إذا كان ورقة أكد لمحمد أن هذا الذى جاءه هو الناموس الذى جاء موسى ، أى أن ما جاء محمد هو الحق ، فلما ذا لم يؤمن به ورقة؟ لذلك لجئوا إلى وضع أو زيادة هذه العبارة : : «ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى».
روى الإمام الترمذى عن النبى «صلىاللهعليهوسلم» أنه رأى ورقة في المنام وعليه ثياب بيض. ورد أيضا قوله «صلىاللهعليهوسلم» : «رأيت القسّ في الجنة وعليه ثياب الحرير ، لأنه أول من آمن بى» (٣).
__________________
١ ـ محمد في مكة ص ٩٣.
٢ ـ محمد مكة ص ٩٢.
٣ ـ الشيخ أبو بكر الجزائرى : هذا الحبيب محمد «صلىاللهعليهوسلم» ص ٨٦ مكتبة لينة بمصر ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٨ م.